مقال
الحمد لله رب العالمين ، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين محمداً ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد ..
فقد تعددت المشروبات الغازية في هذا العصر، وأصبح الناس يتناولونها بكثرة فهل هي من المشروبات المباحة أو الممنوعة ؟
الجواب:
إن المشروبات الغازية من النوازل التي وجدت في هذا العصر، ويحتاج الحكم عليها إلى معرفة حقيقتها ومضارها ومنافعها إن وجدت.
جاء في الموسوعة العربية العالمية (1) المرطبات: مشروبات غير كحولية تضاف إليها نكهة، وتحضر من الماء المشبع بثاني أكسيد الكربون، وتسمى المرطبات بهذا الاسم للتفريق بينها وبين المشروبات الكحولية، وتسمى المرطبات أيضًا بالمياه الغازية أو الصودا، ويعد مشروب الكولا أكثر المرطبات استهلاكًا إلى حد بعيد، والمرطبات رائجة في كثير من بلاد العالم، وتحتوي المرطبات على ماء مشبع بثاني أكسيد الكربون وعصير مركز، ويصنع الماء المشبع بثاني أكسيد الكربون بإضافة غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الماء تحت الضغط، ويجعل الغاز ماء فوارًا له فقاقيع وصوت كالأزيز ومن هذا جاءت تسميتها غازية.
الحكم الشرعي للمرطبات أو المشروبات الغازية:
اختلفت أراء أهل العلم المعاصرين:
1 - فمنهم من يرى عدم جوازها لأسباب أوردوها.
2- وأكثر أهل العلم المعاصرين يرون جوازها لأدلة ذكروها.
الأدلة والأسباب التي استند عليها كل من المانعين والمجيزين:
أولًا: الأسباب التي أدت بالمانعين إلى القول بعدم جوازها:
1 - دخول الكحول فيها لغرض إذابة المواد الأولية فيها، يقول الدكتور محمَّد على البار (2): لعل كثيرًا لا يعلمون أن المشروبات الغازية مثل (البيبسي كولا) وغيرها قد أذيبت موادها الأولية بشيء من الكحول، والكحول هو روح الخمر (spirit) أو (سبيرتو) كما يسميها العامة. انتهى.
2 - دخول مادة الهضمين واسمها اللاتيني (الببسين) في مكوناته، وهي تنتج بمادة من غشاء أمعاء الخنزير، جاء في الموسوعة العربية العالمية (3): الهضمين أو الببسين إنزيم هاضم يوجد في عصارة المعدة يقوم بتحويل الأطعمة البروتينية إلى مواد تسمى (ببتيدات)، والهضمين يشبه الإنزيمات في التركيب الكيميائي، وتنتج مادة الهضمين بتجفيف الغشاء المخاطي لمعدة الخنزير والعجول. انتهى.
3 - وجود بعض الأضرار الصحية مثل هشاشة العظام وأمراض الكلى وغيرها، وقد أصدرت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع وزارة الصحة في المملكة العربية السعودية توجيهات للمدارس عمومًا بمنع بيع المشروبات الغازية واستبدالها بالحليب والعصائر؛ تفاديًا لما تسببه من أمراض.
ثانيًا: الأدلة التي استند إليها المجيزون:
1 - أن الأصل في الأطعمة والأشربة الإباحة حتى يثبت تحريمها بنص أو ثبوت مضره.
2 - أن استعمال الكحول والببسين المشتق من الخنزير غير لازم في جميع المشروبات، فقد تستعمل مواد أخرى في الإذابة، وفي كثير من البلاد الإِسلامية يتم اجتناب استعمال الكحول في الإذابة واستبداله بمواد أخرى خالية من الشبهة، وأما الببسين فقد يشتق من أمعاء العجول كما يمكن تصنيعه في المختبرات بطرق كيميائية أخرى، وفي بعض البلاد الإِسلامية يتم اجتناب استعمال المواد المصنعة من أمعاء الخنزير.
3 - وأما الأضرار الصحية فقالوا بأنه لم يثبت وجود هذه الأضرار في هذه المشروبات، وغاية ما هنالك أخبار تنقل هنا وهناك، وإن رافقها شيء من الحجة العلمية؛ غير أنها لا ترقى لمستوى إثبات الضرر العام الذي يصل بحكمها إلى التحريم.
الراجح:
بدراسة ما ورد من أسباب كل من المانعين والمجيزين يتضح ما يأتي:
1 - أن كلًّا من المانعين والمجيزين يتفقون على أنه إذا ثبت إضافة شيء من الكحول أو غشاء أمعاء الخنزير إلى المشروبات الغازية فإنه لا يجوز تناولها.
2 - أنه إذا ثبت ضرر المشروبات الغازية على الصحة فإنه لا يجوز شربها؛ لأن الشارع الحكيم ينهي عن كل ما يؤدي إلى الضرر، فعلى الجهات المختصة بالشؤون الصحية أن تقوم بدراسة ذلك وبيان مدى ضرره على الإنسان كي يقال بمنعه أو إباحته.
3 - أما والحال ما ذكر فإنه يبقى على الإباحة حتى يرد ما يدل على منعه، وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للفتوى في السعودية رقم (1413): "أما ما يختص بالبيبسي فلم يتبين لنا فيها ما يقتضي التحريم؛ لأن الأصل في الأشياء الحل حتى يتبين ما يوجب الحرمة، لكن من حصل في نفسه ما يريبه فليدعه إلى ما لا يريبه للحديث الوارد في ذلك" انتهى.
ونرى أن الأولى ترك المشروبات التي يظن فيها المضرة أو التقليل منها ما أمكن؛ تفاديًا لضررها فيما لو كان ذلك واقعًا.
الفتاوى:
وجاء في "فتاوى المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث"(فتوى رقم/34
frown رمز تعبيري
" يكتب ضمن محتويات بعض المأكولات حرف " إي " (E) باللغة الانجليزية، مضافا إليها رقم، وقيل: هذا يعني أنها تحتوي على مواد مصنعة من دهن أو عظم الخنزير .
فلو ثبت هذا الأمر ، فما هو الحكم الشرعي في تلك المأكولات ؟
الجواب :
هذه المواد المشار إليها بحرف ( إي ) مضافا إليها رقم هي مركبات إضافية يزيد عددها على (350 مركبا) وهي إما أن تكون من: الحافظات، أو الملونات، أو المحسنات، أو المحليات، أو غير ذلك .
وتنقسم بحسب المنشأ إلى أربع فئات :
الفئة الأولى : مركبات ذات منشأ كيميائي صُنعي .
الفئة الثانية : مركبات ذات منشأ نباتي .
الفئة الثالثة : مركبات ذات منشأ حيواني .
الفئة الرابعة : مركبات تستعمل منحَلَّة في مادة ( الكحول) .
والحكم فيها أنها لا تؤثر على حل الطعام أو الشراب، وذلك لما يأتي :
أما الفئة الأولى والثانية: فلأنها من أصل مباح، ولا ضرر باستعمالها .
وأما الفئة الثالثة: فإنها لا تبقى على أصلها الحيواني، وإنما تطرأ عليها استحالة كيميائية تُغَيِّرُ طبيعتَها تغييرا تاما، بحث تتحول إلى مادة جديدة طاهرة، وهذا التغيير مؤثر على الحكم الشرعي في تلك المواد، فإنها لو كانت عينها محرمة أو نجسة فالاستحالة إلى مادة جديدة يجعل لها حكما جديدا، كالخمر إذا تحولت خلا فإنها تكون طيبة طاهرة، وتخرج بذلك التحول عن حكم الخمر .
وأما الفئة الرابعة: فإنها تكون غالبا في المواد الملونة، وعادة يستخدم من محلولها كمية ضئيلة جدا تكون مستهلكة في المادة الناتجة النهائية، وهذا معفو عنه .
إذن فما كان من الأطعمة أو الأشربة يتضمن في تركيبه شيئا من هذه المواد فهو باق على الإباحة الأصلية، ولا حرج على المسلم في تناوله .
وديننا يسر، وقد نهانا عن التكلف، والبحثُ والتنقيبُ عن مثل ذلك ليس مما أمرنا به الله تعالى ولا رسوله " انتهى .
نقلا عن "فقه النوازل" للدكتور محمد الجيزاني (4/263-267).
وعليه ؛ فإن جميع هذه المشروبات الغازية مثل " البيبسي كولا " و " السفن آب " و " الكوكا كولا " وغيرها..هي من المشروبات الطيبة التي أباحها الله لنا رغم أن موادها الأولية قد أذيبت بشيء يسير من الكحول . والله أعلم .
وفي كتاب الأطعمة من الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت ، تحت عنوان " الغازوزة " ما يلي :
" هي شراب حلو فيه قليل من الزيوت العطرية، مشبع بغاز ثاني أوكسيد الكربون تحت ضغط أعلى من الضغط الجوي ، وقد تضاف إليه مواد أخرى تكسبه لونا أو طعما خاصا..
والزيوت العطرية الداخلة في صناعتها لا تمتزج بباقي موادها إلا إذا حلت بإضافة جزء من الغول ( الكحول ) إليها..والغول مسكر ، بل هو روح المسكرات كلها ، فهو نجس عند الجمهور ، وبه يتنجس الزيت والغازوزة فيحرم شربها .
هذا ما يبدو ولأول وهلة . لكن إذا أمعنا النظر أمكننا أن نقول : إن إضافة الغول إنما هي للإصلاح فشأنها شأن إذابة الأنفحة النجسة إلى اللبن ليصير جبنا. وقد قالوا: إن الأنفحة لا تنجس اللبن بل يعفى عنها .
هذا إذا قلنا إن الغول نجس ، فإن قلنا إنه طاهر كما قال الشوكاني ، وكما اختارته لجنة الفتوى في الأزهر فلا إشكال . والله أعلم " انتهى .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
أ - ما حكم الإسلام في أكل السمن الهولندي ؟
ب - ما حكم الإسلام في أكل الفسيخ والسردين ؟
ج - ما حكم الإسلام في شرب المشروبات المثلجة مثل : " البيبسي " ، و" سبورت كولا " مثلا .
فأجابوا :
أ - الأصل في أنواع السمن الإباحة ، حتى يثبت ما ينقل عنها ، ولم نعلم حتى الآن ما ينقل عنها فتبقى على الأصل .
ب - الفسيخ والسردين أصلهما السمك ، والسمك حلال أكله ولو ميتة ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما سئل عن ماء البحر : ( هو الطهور ماؤه الحل ميتته ) فأكلهما إذن حلال .
ج - كل ما ذكرته حلال شربه ما دام لا يسكر كثيرة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/314).
وسئلوا أيضا (22/262):
يثار كثير من الإشاعات عن السمن المستورد و " البيبسي " ، فكثيرا ما يسمع أن " البيبسي " والسمن تضاف إليه أشياء محرمة .
فأجابوا :
" أما ما يختص بالسمن المستورد و " البيبسي " فلم يتبين لنا فيها ما يقتضي التحريم ؛ لأن الأصل في الأشياء الحل حتى يتبين ما يوجب الحرمة ، لكن من حصل في نفسه ما يريبه فليدعه إلى ما لا يريبه ؛ للحديث الوارد في ذلك.
__________(1) (23/ 121) الطبعة الثانية.
(2) الخمر بين الطب والفقه (ص: 65).
(3) (26/ 108) الطبعة الثانية.