جديدالموقع

رساله الي نائب في البرلمان




بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،،
فيا أيها النائب الكريم اعلم أن النائب الذي يتولى مسئولية الدعوة إلى عمل الخير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ويقدم النصيحة خالصة للناس جميعا حكاما ومحكومين ، ويسعى في قضاء مصالح المجتمع ، ولا يحتجب عن الناس ولا يغشهم ، مهمة صعبة ، فهو الذي يجب أن تتوافر فيه مقومات تحمل المسئولية من حيث القيم الإيمانية والأخلاقية الفاضلة والسلوك السوي … ويتحمل تبعة تحقيق الخير للناس عامة دون تحيز أو عصبية وهو مسئول عن ذلك أمام الله تبارك وتعالى ثم أمام نفسه وأمام دائرته التي اختارته وأمام المجتمع الذي يعيش فيه وأمام الأمة الإسلامية التي ينتمي إليها.
وأساس هذه المسئولية من القرآن الكريم قوله تبارك وتعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } [الأعراف: 6] ، وقوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (92)عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[الحجر: 92، 93]، فهذه الآيات تؤكد بأن الله تبارك وتعالى سوف يحاسب الناس جميعا يوم القيامة عن أعمالهم في الدنيا ، فأنت أيها النائب سوف تقف أمام الله عز وجل ويحاسبك حسابا دقيقا وعادلا عن ما قدمت للناس من خدمات بصدق وإخلاص ابتغاء وجهه عز وجل.
ويؤكد هذه المسئولية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حيث قال : « إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ، حَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ » الصحيحة ح (1636)، ويقول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : « أَلاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالإِمَامُ الَّذِى عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
لذلك يجب على كل من رشح نفسه نائبا عن دائرة من الدوائر-ووفق- أن يستشعر أنها مسئولية وليست منصبا أو وجاهة أو مصدراً للمال أو متعة من متع الدنيا ، ولكنها أخطر وأعظم من ذلك ، إنها مسائلة يوم القيامة : {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[آل عمران: 30].
لذا من هو النائب الذي يستطيع أن يتحمل تبعة المسئولية؟
لا يستطيع تحمل مسئولية الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-وفق القدرة والاستطاعة- إلا النائب المؤمن التقي الذي رزقه الله عز وجل حسن الخلق من- الإخلاص ، والصدق ، والأمانة ، والوفاء بالعهد ، والحلم ، والأناة ، والرفق ، والإيثار ، والشجاعة ، والعزيمة ، والصبر ، والرجاء ، والخوف من الله-، أي النائب ذو القيم الإيمانية ، والقيم الأخلاقية، والسلوك السوي المستقيم طبق شرع الله عز وجل، لقوله تبارك وتعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران: 104] .

النائب الذي يسعى في قضاء مصالح الناس بإخلاص ابتغاء وجه الله ولم يُغلق بابه دونهم، إلا أقره الله عليها، ولم يحولها إلي غيره قَالَ رَسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :« إِنَّ لِلَّهِ عَبَّادًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ ، يُقِرُّهُمْ ( 1) فِيهَا مَا بَذَلُوهَا ، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا مِنْهُمْ ، فَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ» الصحيحة ح (1692)، لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :« مَنْ وَلاَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ » ، وفي رواية: « مَا مِنْ إِمَامٍ أَوْ وَالِى يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِى الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ إِلاَّ أَغْلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ » أنظر: الصحيحة ح (629).
النائب الذي ينصح لولي الأمر- بوسائل النصح المشروعة (سراً وأن يخلو به) وفق القدرة والاستطاعة- ، ولا يكون من الذين ينافقونه، وينصح للناس الذين وُكِّلَ عنهم ولا يبخل عليهم بنصحه وتوجيهه وإرشاده فَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :«اَلدِّينُ اَلنَّصِيحَةُ ثَلَاثًا».قُلْنَا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اَللَّهِ ؟ قَالَ:« لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ اَلْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(55).
النائب القوي الأمين الذي يخاف الله ويتقه، ويأتسي برسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وبصحبه الكرام ، قلباً وقالباً، ظاهراً وباطناً، ليكون خيراً لدائرته ولأمته فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « خَيْرُكُمْ فِى الإِسْلاَمِ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً إِذَا فَقِهُوا » الصحيحة ح (1864).
النائب الذي لا يكون ذو وجهين سفيه الكلام منافق الأحلام الذي يتاجر بمصالح الناس وآمالهم الغاش لهم فالجنة محرمة عليه ولا يرح رائحتها، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ، فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الْأَمْرِ، أَكْرَهُهُمْ لَهُ، قَبْلَ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، وَتَجِدُونَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(2526). « مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.وفي رواية : « فَلَمْ يَحُطْهَا بِنُصْحِهِ لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّة » .وفي رواية لمسلم : « مَا مِنْ أميرٍ يلي أمور المُسْلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ ، إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ ».

النائب كثير الفعال قليل الكلام مقسط متصدق موفق فهو من أهل الجنة لحديث عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِىِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الطويل عن رب العزة-سبحانه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؟ قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِى خُطْبَتِهِ:« أَلاَ إِنّ رَبّي أَمَرَنِي أَنْ أُعَلّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمّا عَلّمَنِي، يَوْمِي هَذَا ... إلي أن قَالَ: وَأَهْلُ الجَنّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدّقٌ مُوَفّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لِكُلّ ذِي قُرْبَىَ وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفّفٌ ذُو عِيَالٍ » أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(2865)، ولا يكن من مكثر الكلام قليل الفعال ظالم بخيل غير موفق فهو مبغوض ممقوت قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ }[الصف: 2، 3].
النائب المحبوب من الناس الذي يدعوا لهم ويدعون له ويحبهم ويحبونه، ولا يكون من الذين يبغضهم ويبغضونه، ويلعنهم ويلعنونه فَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، يقول: « خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وشِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ! » أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(1855).
النائب الرفيق الرحيم على أهل دائرته خاصة وعلى المسلمين عامة في قضاء حوائجهم، ومساعدتهم، والهرع إلي نجدتهم، والوقوف معهم عند مصائبهم وفرحهم فَعَنْ عَائِشَةَ-رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اللهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ، فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ، فَارْفُقْ بِهِ» أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ح(1828).

هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1) يُقِرُّهُمْ: يتركهم ويثبتهم ويمكنهم .