جديدالموقع

اللمع ببعض سنن الجمع


 
الحمد لله الذي جعل في تعاقب الليل والنهار عبرة لأولي الأبصار، أحمده وأشكره على نِعمه الغزار، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى الآل والصحب الأطهار وبعد،،، 
فيا أيها القارئ الكريم لا تزال الشعوب تحتفي بأعيادها وتفرح بتكرارها، وتُسَّر بذكر اسمها.. كيف إذا كان العيد لأمة الإسلام وتتعبد الله -عَزَّ وَجَلَّ- به.. 
إن عيد الأسبوع لأهل الإسلام هو يوم الجمعة الذي كرم الله به هذه الأمة بعد أن أضل عنه اليهود والنصارى، قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« أَضَلَّ اللَّهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الأَحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالأَحَدَ وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ الآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِىُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلاَئِقِ ». (رواه مسلم ح 2019 ( 
ويوم الجمعة هو اليوم الذي قال عنه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ »(رواه مسلم ح 2014(.
وهذا اليوم العظيم جعله البعض من المسلمين يوم نوم طويل، ونزهة ورحلة وخصصت بعض النساء هذا اليوم للأسواق وأعمال المنزل، وغفلت عن حق هذا اليوم.. ولا بد أن نعرف لهذا اليوم قدره ونعلم خصائصه؛ حتى نتفرغ فيه للعبادة والطاعة وكثرة الدعاء والصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- .
قال العلَّامة ابن القيم-رَحِمَهُ اللَّهُ-في زاد المعاد(1/363): (وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ وَتَخْصِيصُهُ بِعِبَادَاتٍ يَخْتَصّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ . وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ يَوْمُ عَرَفَةَ ؟ )… وقد عد –رحمه الله- أكثر من ثلاثين سنّة وفضل لهذا اليوم، ومن تلكم السنن والفضائل:
1. تَعْظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ: 
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ» (رواه مسلم ح 1411). 
2. اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ: 
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاَةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاَتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ ». قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلاَتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ. فَقَالَ:« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الأَرْضِ أَجْسَادَ الأَنْبِيَاءِ »" صحيح سنن أبي داود" ح (1047).
قال العلَّامة ابن القيم-رَحِمَهُ اللَّهُ-:((وَرَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَيّدُ الْأَنَامِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ سَيّدُ الْأَيّامِ فَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَزِيّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مَعَ حِكْمَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنّ كُلّ خَيْرٍ نَالَتْهُ أُمّتُهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنّمَا نَالَتْهُ عَلَى يَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)) الزاد(1/364).
3. الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ فِيه وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكّدٌ جِدّا وَوُجُوبُهُ أَقْوَى: 
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:« غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ». متفق عليه.
قال العلَّامة ابن عثيمين-رَحِمَهُ اللَّهُ-:(( ومن خصائص هذه الصلاة (الجمعة) أنه يجب الغسل لها كما يغتسل الإنسان للجنابة وجوباً، في الشتاء وفي الصيف والدليل الحديث، والذي قال إنه واجب الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو أعلم الخلق بشرع الله، ولا يمكن أن يطلق على شيء مستحب أنه واجب، فهو أعلم الخلق بشريعة الله، وهو أفصح الخلق بما ينطق به، وهو أنصح الخلق للخلق، وهو أصدق الخلق خبراً فهو يقول: « غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ » ثم قرن الوجوب بما يقتضي التكليف « عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ » لأن المحتلم هو الذي تجب عليه الواجبات)) (مجموع فتاوى فضيلته 16/9 ).
4. يُسْتَحَبّ فِيهِ السّوَاكُ وَلَهُ مَزِيّةٌ عَلَى السّوَاكِ فِي غَيْرِهِ : 
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ».(رواه مسلم ح 1400). 
قلت: وَوَجْه مُنَاسَبَته أَنَّهُ شُرِعَ فِي اللَّيْل لحَدِيث حُذَيْفَة -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- :" أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْل يَشُوص فَاهُ بِالسِّوَاكِ". لِتَجَمُّلِ الْبَاطِن فَيَكُون فِي الْجُمُعَة أَحْرَى لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهَا التَّجَمُّل فِي الْبَاطِن وَالظَّاهِر. (الفتح 3/291).
5. يُسْتَحَبّ فِيهِ التّطَيّبُ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التّطَيّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ: 
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:«غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ»، وفي رواية «وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ »(رواه مسلم ح 1400).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((قَالَ عِيَاض : يَحْتَمِل قَوْلُهُ : " مَا يَقْدِر عَلَيْهِ " إِرَادَة التَّأْكِيد لِيَفْعَل مَا أَمْكَنَهُ. وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُهُ : " وَلَوْ مِنْ طِيب الْمَرْأَة " لِأَنَّهُ يُكْرَه اِسْتِعْمَاله لِلرَّجُلِ، وَهُوَ مَا ظَهَرَ لَوْنه وَخَفِيَ رِيحه، فَإِبَاحَته لِلرَّجُلِ لِأَجْلِ عَدَم غَيْره يَدُلّ عَلَى تَأَكُّد الْأَمْر فِي ذَلِكَ)) (الفتح 3/283) .
6. يُسْتَحَبّ أَنْ يُلْبَسَ فِيهِ أَحْسَنُ الثّيَابِ الّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- قَالَا: قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ - إِنْ كَانَ عِنْدَهُ - ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلاَتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِى قَبْلَهَا ». قَالَ وَيَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ « وَزِيَادَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ »، وَيَقُولُ:« إِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا »" صحيح سنن أبي داود " ح (343).
قال صاحب "عون المعبود" (1/391): (( فِيهِ اِسْتِحْبَاب التَّجَمُّل وَالزِّينَة يَوْم الْجُمُعَة الَّذِي هُوَ عِيد لِلْمُسْلِمِينَ)). 
7. يُسْتَحَبّ فِيهِ التّبْكِيرُ لِلصّلَاةِ: 
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«مَنْ غَسّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ »،وفي رواية « مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»" صحيح الترغيب والترهيب " ح (690).
قال العلَّامة ابن القيم-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ صَلَاةٍ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ التّعْجِيلَ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ بَدَلًا مِنْ الْقُرْبَانِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فَيَجْتَمِعُ لِلرّائِحِ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ الصّلَاةُ وَالْقُرْبَانُ كَمَا فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنّهُ قَالَ: «مَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ كَبْشًا أَقْرَن، وَمَنْ رَاحَ فِى السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِى السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً » (متفق عليه).
قَالَ الإمام أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ السّاعَاتِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَرَادَ السّاعَاتِ مِنْ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَفَائِهَا، وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ التّبْكِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْجُمُعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة َ وَالشّافِعِيّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بَلْ كُلّهُمْ يُسْتَحَبّ الْبُكُورُ إلَيْهَا)(الزاد 1/388).
8. يُسْتَحَبّ أَنّ يمَشِي إلَى الْجُمُعَةِ ولا يركب: 
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا»، وفي رواية «كَانَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ »" صحيح الترغيب والترهيب " ح (690).
9. يُسْتَحَبّ فِيهِ أَنْ يُشْتَغِلَ بِالصّلَاةِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ:
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِىِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِىُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« لاَ يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ، أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ، فَلاَ يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّى مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ، إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى »(رواه البخاري ح 834).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَوْلُهُ : ( ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ )((فِيهِ مَشْرُوعِيَّة النَّافِلَة قَبْل صَلَاة الْجُمُعَة، وَقَدْ بَيَّنَهُ أَحْمَد بِلَفْظِ " فَإِنْ لَمْ يَجِد الْإِمَام خَرَجَ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ " وَفِيهِ جَوَاز النَّافِلَة نِصْفَ النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة))، وقال-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( وَتَبَيَّنَ بِمَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْفِير الذُّنُوب مِنْ الْجُمُعَة إِلَى الْجُمُعَة مَشْرُوط بِوُجُودِ جَمِيع مَا تَقَدَّمَ مِنْ غُسْل وَتَنْظِيف وَتَطَيُّب أَوْ دَهْن وَلُبْس أَحْسَن الثِّيَاب وَالْمَشْي بِالسَّكِينَةِ وَتَرْك التَّخَطِّي وَالتَّفْرِقَة بَيْن الِاثْنَيْنِ وَتَرْك الْأَذَى وَالتَّنَفُّل وَالْإِنْصَات وَتَرْك اللَّغْو )) (الفتح 3/288) .
10. يُسْتَحَبّ فِيهِ الدنو من الإمامِ:
لأَنّهُ يَوْمٌ يَتَجَلّى اللّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنّةِ وَزِيَارَتهمْ لَهُ -عَزَّ وَجَلَّ- فَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْإِمَامِ وَأَسْبَقُهُمْ إلَى الزّيَارَةِ أَسْبَقَهُمْ إلَى الْجُمُعَةِ : عن أنس بن مالك -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: (( أَتَانِي جِبْرِيْلُ وَفِي يَدِهِ كَالمِرْآَةِ البَيْضاءِ فِيهَا كَالنكْتَةِ السوْدَاءِ. 
فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ 
قَالَ: هذِهِ الجمُعَة يَعْرِضهَا اللَهُ عَلَيْكَ لِتكُونَ لَكَ عِيداً ولِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ. 
قُلْتُ: وَمَا لَنَا فيها؟ 
قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، أَنْتَ فِيهَا الأَوَّلُ، واليَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- عَبْدٌ فِيهَا شَيْئاً هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَعَاذُه اللَّهُ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، وإِلاَّ دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعظَمُ مِنْ ذلِك. 
قال: قُلْتُ: وَمَا هذِهِ النّكتَةُ السَّوْدَاءُ؟ 
قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الآخِرَةِ يَوْمَ المَزيدِ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبرِيلُ ! وَمَا يَوْمُ المَزِيدِ؟ 
قال: ذلِكَ أَنَّ رَبَّكَ -عَزَّ وَجَلَّ- اتَّخَذَ في الجَنَّةِ وَادِياً أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، نَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّه، ثُمَّ حُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجِيءُ النَّبِيُونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حُفَّ المَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجِيءُ الصِّدِّيقونَ والشُهدَاءُ حَتَى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، وَيَجيءُ أَهْلُ الغُرفِ حَتَّى يَجلِسُوا عَلَى الكُثُبِ. 
قَالَ: ثمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ -عَزَّ وَجَلَّ- قال: فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صدَقْتكُمْ وَعدِي، وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي، وهَذَا مَحَلّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي، فَيَسأَلُونَهُ الرِّضى. 
قَالَ: رِضَايَ أنزِلَكُمْ دَارِي، وأَنالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُونِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضى. 
قَالَ: فَيشْهَدُ لَهُمْ بِالرِضى، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهمْ، ثمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لاَ عَينّ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. 
قَالَ: ثمَّ يَرْتَفعُ رَبُّ العِزَّةِ، وَيَرْتَفعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ والشُّهَدَاء، ويَجِيءُ أَهْلُ الغُرَفِ إِلى غُرَفِهِم. 
قَال: كُلُّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ لا وَصْلَ فِيهَا وَلاَ فَصْمَ، يَاقُوتَة حَمْرَاءُ، وغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْراء، أَبوابها وعَلاَلِيهَا وسقَائِفُهَا وأَغْلافُها مِنها أنهارُها مُطَّرِدَة متدلِّية فِيهَا أَثْمَارُهَا، فِيها أَزْواجُهَا وخَدَمُها. 
قال: فلَيْسُوا إِلى شَيء أَحوجَ مِنْهُمْ إِلى يَوْمِ الجُمُعَةِ لِيزْدَادُوا منْ كَرَامَةِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- والنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ، فَذلِكَ يَوْمُ المَزِيدِ))( صحيح الترغيب والترهيب "ح (3761 )).
11. يُسْتَحَبّ فِيهِ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ :« مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ»" صحيح الترغيب والترهيب " ح (736)،وفي رواية « أَضَاءَ لَهُ مِنَ النُّورِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ »" صحيح الجامع " ح (6471). 
قال العلاَّمة ابن عثيمين-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( سورة الكهف لها مزايا، منها: أن من قرأ فواتحها على الدجال عصم من فتنته. 
ومنها: قصة أصحاب الكهف.
ومنها: قصة الرجلين ذوي الجنتين.
ومنها: قصة موسى مع الخضر.
ومنها: قصة ذي القرنين.
ومنها: قصة يأجوج ومأجوج.
ولهذا ورد الترغيب في قراءتها في يوم الجمعة قبل الصلاة أو بعد الصلاة.(الشرح الممتع بتصرف 5/67).
12. يُسْتَحَبّ فِيهِ الانشغال بِالصّلَاةِ وَالذّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ لموافقة سَاعَة الْإِجَابَةِ:
وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي لَا يَسْأَلُ اللّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ: فعَن أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا»،وفي رواية الإمام البخاري «وَقَالَ بِيَدِهِ وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا» (متفق عليه).
قال العلَّامة ابن القيم-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((وَاَلّذِينَ قَالُوا بِتَعْيِينِهَا اخْتَلَفُوا عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا، وَأَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلَانِ تَضَمّنَتْهُمَا الْأَحَادِيثُ الثّابِتَةُ وَأَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنْ الْآخَرِ.
• الْأَوّلُ: أَنّهَا مِنْ جُلُوسِ الْإِمَامِ إلَى انْقِضَاءِ الصّلَاةِ: وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: أَسَمِعْتَ أَبَاك يُحَدّثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:" هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إلَى أَنْ تُقْضَى الصّلَاةُ "(رواه مسلم ح 2012).
• الثّانِي : أَنّهَا بَعْدَ الْعَصْرِ: وَهَذَا أَرْجَحُ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَخَلْقٍ . وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:« إنّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللّهَ فِيهَا خَيْرًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْر»" صحيح سنن الترمذي " ح (491)، وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ-رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا- قَالَ:«السّاعَةُ الّتِي تُذْكَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشّمْسِ». وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إذَا صَلّى الْعَصْرَ لَمْ يُكَلّمْ أَحَدًا حَتّى تَغْرُبَ الشّمْسُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ السّلَفِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ )) (الزاد 1/377ـ382).
13. يُسْتَحَبّ فِيهِ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ:
عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُجْمِرِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:« أَمَرَ أَنْ يُجَمّرَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ كُلّ جُمُعَةٍ حِينَ يَنْتَصِفُ النّهَارُ».
قَالَ الحافظ اِبْنُ حَجَرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((قَوْله " عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمِر" هُوَ اِبْن عَبْد اللَّه الْمَدَنِيّ ، وُصِفَ هُوَ وَأَبُوهُ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا كَانَا يُبَخِّرَانِ مَسْجِد النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)) الفتح 1/218.
وعن ابن عمر أن عمر-رضي الله عنهما-: « كَانَ يُجْمِر مَسْجِد رَسُول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كل جمعة ».
قَالَ الحافظ اِبْنُ حَجَرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ((وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ كَرِهَهُ، فَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَلَى الْمِنْبَرِ، وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ التَّخْلِيقَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ، وَرُوِيَ عَنْهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فِعْلُهُ، وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: "هُوَ سُنَّةٌ" )). انظر: الثمر المستطاب (1 / 586).
14. يُسْتَحَبّ فِيهِ قِرَاءَةُ سُورَةِ "الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ " أَوْ " سَبّحْ وَالْغَاشِيَةِ " فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ:
فَقَدْ كَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهِنّ فِي الْجُمُعَةِ ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ كُلّهُ: فعَن ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ »(رواه مسلم ح 1454)، وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« يَقْرَأُ فِى الْعِيدَيْنِ وَفِى الْجُمُعَةِ بِـ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) وَ (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ)»(رواه مسلم ح 1452).
قال العلَّامة ابن القيم-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( وَلَا يُسْتَحَبّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ كُلّ سُورَةٍ بَعْضَهَا أَوْ يَقْرَأُ إحْدَاهُمَا فِي الرّكْعَتَيْنِ فَإِنّهُ خِلَافُ السّنّةِ وَجُهّالُ الْأَئِمّةِ يُدَاوِمُونَ عَلَى ذَلِكَ ))(الزاد 1/369).
15. فِيهِ الْخُطْبَة: 
الّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثّنَاءُ عَلَى اللّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيّةِ وَلِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالرّسَالَةِ، وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ بِأَيّامِهِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ وَوَصِيّتِهِمْ بِمَا يُقَرّبُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ وَنَهْيِهِمْ عَمّا يُقَرّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا، وهذه بعض من سنن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التى أضحت نسياً منسياً وتغافلها كثير من خطباء زماننا إلا ما رحم ربي وعصم في خطبة الجمعة ومنها:
(1) إذَا خَطَبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- احْمَرّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدّ غَضَبُهُ حَتّى كَأَنّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبّحَكُمْ وَمَسّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَيُقْرِنُ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ السّبّابَةِ وَالْوُسْطَى.
(2) وكَانَ يُقَصّرُ الْخُطْبَةَ وَيُطِيلُ الصّلَاةَ وَيُكْثِرُ الذّكْرَ وَيَقْصِدُ الْكَلِمَاتِ الْجَوَامِعَ وَكَانَ يَقُولُ إنّ طُولَ صَلاَةِ الرّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنّةٌ مِنْ فِقْهِه .
(3) وكَانَ يُعَلّمُ أَصْحَابَهُ فِي خُطْبَتِهِ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعَهُ وَيَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ فِي خُطْبَتِهِ إذَا عَرَضَ لَهُ أَمْرٌ أَوْ نَهْيٌ كَمَا أَمَرَ الدّاخِلَ وَهُوَ يَخْطُبُ أَنْ يُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ، وَنَهَى الْمُتَخَطّيَ رِقَابَ النّاسِ عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَهُ بِالْجُلُوسِ .
(4) وكَانَ يَقْطَعُ خُطْبَتَهُ لِلْحَاجَةِ تَعْرِضُ أَوْ السّؤَالِ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيُجِيبُهُ ثُمّ يَعُودُ إلَى خُطْبَتِهِ فَيُتِمّهَا.
(5) وكَانَ رُبّمَا نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ لِلْحَاجَةِ ثُمّ يَعُودُ فَيُتِمّهَا كَمَا نَزَلَ لِأَخْذِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ-رَضِيَ اللّه عَنْهُمَا- فَأَخَذَهُمَا ثُمّ رَقِيَ بِهِمَا الْمِنْبَرَ فَأَتَمّ خُطْبَتَهُ .
(6) وكَانَ يَدْعُو الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ تَعَالَ يَا فُلَانُ اجْلِسْ يَا فُلَانُ صَلّ يَا فُلَانُ .
(7) وكَانَ يَأْمُرُهُمْ بِمُقْتَضَى الْحَالِ فِي خُطْبَتِهِ فَإِذَا رَأَى مِنْهُمْ ذَا فَاقَةٍ وَحَاجَةٍ أَمَرَهُمْ بِالصّدَقَةِ وَحَضّهُمْ عَلَيْهَا .
(8) وكَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ السّبّابَةِ فِي خُطْبَتِهِ عِنْدَ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى وَدُعَائِهِ .
(9) وكَانَ يَسْتَسْقِي بِهِمْ إذَا قَحَطَ الْمَطَرُ فِي خُطْبَتِه .
(10) وكَانَ يُمْهِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتّى يَجْتَمِعَ النّاسُ فَإِذَا اجْتَمَعُوا خَرَجَ إلَيْهِمْ، فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ سَلّمَ عَلَيْهِمْ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ اسْتَقْبَلَ النّاسَ بِوَجْهِهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَدْعُ مُسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةِ ثُمّ يَجْلِسُ وَيَأْخُذُ بِلَالٌ فِي الْأَذَانِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهُ قَامَ النّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَطَبَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْخُطْبَةِ لَا بِإِيرَادِ خَبَرٍ وَلَا غَيْرِهِ .
(11) وكَانَ مِنْبَرُهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ وَكَانَ قَبْلَ اتّخَاذِهِ يَخْطُبُ إلَى جِذْعٍ يَسْتَنِدُ إلَيْهِ، ولَمْ يُوضَعْ الْمِنْبَرُ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ وَإِنّمَا وُضِعَ فِي جَانِبِهِ الْغَرْبِيّ قَرِيبًا مِنْ الْحَائِطِ وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَائِطِ قَدْرُ مَمَرّ الشّاةِ. 
(12) وكَانَ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمّ يَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً ثُمّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ الثّانِيَةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا أَخَذَ بِلَالٌ فِي الْإِقَامَةِ.
(13) وكَانَ يَأْمُرُ النّاسَ بِالدّنُوّ مِنْهُ وَيَأْمُرُهُمْ بِالْإِنْصَاتِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّ الرّجُلَ إذَا قَالَ لِصَاحِبِهِ أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَا .
هذا ملخص هدي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخطبة الذي أرسله ربه إلى الناس ليقتدوا ويتأسوا به في أقواله وأفعاله، فهديه هو المقصود الشرعي من الخطبة.
هذا ولتعلم أيها القارئ الكريم: 
أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الْيَوْمُ الّذِي يُسْتَحَبّ أَنْ يُتَفَرّغَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ مَزِيّةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبّةٌ فَاَللّهُ-سُبْحَانَهُ- جَعَلَ لِأَهْلِ كُلّ مِلّةٍ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ، وَيَتَخَلّوْنَ فِيهِ عَنْ أَشْغَالِ الدّنْيَا، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِبَادَةٍ، وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ، وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ . وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ، وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ، وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ، وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ، وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ . وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ أهـ.(1 ). 
هذا آخر ما وفق الله-تعالى- إليه، في إحياء هذه السنن المهجورة.....
والله الموفق، وهو من وراء القصد، وهو يهدى السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1)( نقلاً عن شيخ الإسلام ابن القيم -رَحِمَهُ اللَّهُ-: " زاد المعاد " ( 1/ 363 ـ 365) بتصرف ومن أراد المزيد فليراجعه والأدلة هناك مبسوطة ) .