فَوَائِد من قِصَّةِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ-رضي الله عنه.

أولاً: القصة بمجموع روياتها:

عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: (لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) (1) (وَهُوَ يُرِيدُ الرُّومَ وَنَصَارَى الْعَرَبِ بِالشَّامِ) (2) (غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ , " وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا , إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ عِيرَ (3) قُرَيْشٍ حَتَّى جَمَعَ اللهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ " , وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا (4) عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ , وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا (5) كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ , وَاللهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ (6) قَطُّ , حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ , " وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى (7) بِغَيْرِهَا) ( (وَكَانَ يَقُولُ: الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ") (9) (حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ , " غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ") (10) (حِينَ طَابَتْ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ) (11) (وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا (12)) (13) (وَعَدُوًّا كَثِيرًا , " فَجَلَّى (14) لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ " , لِيَتَأَهَّبُوا (15) أُهْبَةَ (16) غَزْوِهِمْ , " فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ " , وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَثِيرٌ) (17) (يَزِيدُونَ عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ) (1 (وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ - فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ , إِلَّا ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ - مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللهِ - " وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ , فَطَفِقْتُ (19) أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ , فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا , فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَيْهِ, فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي , حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ , " فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ) (20) (يَوْمَ الْخَمِيسِ) (21) (" - وَلَقَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَخْرُجُ إِذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ , إِلَّا خَرَجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ -") (22) (وَأَنَا لَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي شَيْئًا , فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ , فَغَدَوْتُ (23) بَعْدَ أَنْ فَصَلُوا (24) لِأَتَجَهَّزَ , فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا , ثُمَّ غَدَوْتُ , ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا , فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ (25) الْغَزْوُ , وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ - وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ - فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ, فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَطُفْتُ فِيهِمْ, أَحْزَنَنِي أَنِّي لَا أَرَى) (26) (لِي أُسْوَةً , إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا (27) عَلَيْهِ النِّفَاقُ , أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللهُ مِنْ الضُّعَفَاءِ , " وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ , فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ " , فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ , حَبَسَهُ بُرْدَاهُ (2 وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِ (29) فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - رضي الله عنه -: بِئْسَ مَا قُلْتَ , وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا , " فَسَكَتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - , فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ , رَأَى رَجُلًا مُبَيِّضًا يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ " , فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ - رضي الله عنه - وَهُوَ الَّذِي تَصَدَّقَ بِصَاعِ التَّمْرِ حِينَ لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ - قَالَ كَعْبُ: فَلَمَّا بَلَغَنِي " أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا (30) مِنْ تَبُوكَ ") (31) (حَضَرَنِي هَمِّي , وَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ (32) غَدًا؟ , وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأيٍ مِنْ أَهْلِي , فَلَمَّا قِيلَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا " , زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ , وَعَرَفْتُ أَنِّي لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَيْءٍ فِيهِ كَذِبٌ , فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ , " وَأَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَادِمًا) (33) (- وَكَانَ قَلَّمَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ سَافَرَهُ إِلَّا ضُحًى , وَكَانَ يَبْدَأُ بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ) (34) (ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ) (35) (لِلنَّاسِ - فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ " , جَاءَهُ الْمُخَلَّفُونَ , فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ , وَيَحْلِفُونَ لَهُ - وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا - " فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَانِيَتَهُمْ وَبَايَعَهُمْ , وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , وَوَكَلَ سَرَائِرَهُمْ (36) إِلَى اللهِ " , فَجِئْتُهُ , فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ , " تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ , ثُمَّ قَالَ: تَعَالَ " , فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ , فَقَالَ لِي: " مَا خَلَّفَكَ؟ , أَلَمْ تَكُنْ قَدْ ابْتَعْتَ (37) ظَهْرَكَ (3؟ " , فَقُلْتُ: بَلَى , إِنِّي وَاللهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا , لَرَأَيْتُ أَنْ سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ , وَلَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا , وَلَكِنِّي وَاللهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي , لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَيَّ , وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ (39) إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ , لَا وَاللهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ , وَاللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَ , فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ " , فَقُمْتُ , وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَاتَّبَعُونِي , فَقَالُوا لِي: وَاللهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا , وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لَا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ , قَدْ كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَكَ , فَوَاللهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي , حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي , ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ , قَالُوا: نَعَمْ , رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ , فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ , فَقُلْتُ: مَنْ هُمَا؟ , قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيُّ , وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ , فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ , قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا أُسْوَةٌ (40) فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي , " وَنَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمُسْلِمِينَ) (41) (عَنْ كَلَامِي وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ , وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرِنَا ") (42) (فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ , وَتَغَيَّرُوا لَنَا , حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي الْأَرْضُ , فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ , فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً , فَأَمَّا صَاحِبَايَ , فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ , وَأَمَّا أَنَا , فَكُنْتُ أَشَبَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ , فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَشْهَدُ الصَلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ , وَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ , وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ , وَآتِي رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَلَاةِ , فَأَقُولُ فِي نَفْسِي: هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ , ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ , فَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ , فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي , " أَقْبَلَ إِلَيَّ " , وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ , " أَعْرَضَ عَنِّي ") (43) (فَلَبِثْتُ كَذَلِكَ , حَتَّى) (44) (طَالَتْ عَلَيَّ جَفْوَةُ النَّاسِ) (45) (وَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ , فلَا يُصَلِّي عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَوْ يَمُوتَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَأَكُونَ مِنْ النَّاسِ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ , فلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ , وَلَا يُصَلِّي وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيَّ) (46) (فَمَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ (47) جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ - وَهُوَ ابْنُ عَمِّي , وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ - فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ , فَوَاللهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ , فَقُلْتُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ , أَنْشُدُكَ بِاللهِ , هَلْ تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ , فَسَكَتَ , فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ فَسَكَتَ , فَعُدْتُ فَنَاشَدْتُهُ , فَقَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ , فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ , فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ , إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ الشَّامِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ , فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ , حَتَّى جَاءَنِي , دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ - وَكُنْتُ كَاتِبًا - فَقَرَأتُهُ , فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ , فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ (4وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللهُ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ (49) فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ (50) فَقُلْتُ حِينَ قَرَأتُهَا:) (51) (وَهَذَا أَيْضًا مِنْ الْبَلَاءِ , فَتَيَمَّمْتُ (52) بِهَا التَّنُّورَ (53) فَسَجَرْتُهُ (54) بِهَا , حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنْ الْخَمْسِينَ , إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأتِينِي فَقَالَ: " إِنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَأمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ " , فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ , قَالَ: " لَا , بَلْ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا " , وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ مِثْلَ ذَلِكَ , فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ - عز وجل - فِي هَذَا الْأَمْرِ , قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ , فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟ , قَالَ: " لَا , وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ " , قَالَتْ: إِنَّهُ وَاللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ , وَاللهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا , فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوْ اسْتَأذَنْتَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فِي امْرَأَتِكَ كَمَا أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدُمَهُ , فَقُلْتُ: وَاللهِ لَا أَسْتَأذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا اسْتَأذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ , فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ , حَتَّى كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ كَلَامِنَا , فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً , وَأَنَا عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا , فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللهُ , قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي , وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ (55) سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى (56) عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ , أَبْشِرْ , قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا , وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ , " وَآذَنَ (57) رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِتَوْبَةِ اللهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلَاةَ الْفَجْرِ " , فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا , وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ , وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا , وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ , فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ , وَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ الْفَرَسِ , فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ , فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ - وَاللهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ - وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا , وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا , يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ , يَقُولُونَ: لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللهِ عَلَيْكَ , قَالَ كَعْبٌ: حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ , " فَإِذَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ " , حَوْلَهُ النَّاسُ , فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ - رضي الله عنه - يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي , وَاللهِ مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرَهُ , وَلَا أَنْسَاهَا لِطَلْحَةَ , فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - " وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ) (5 (- وَكَانَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا سُرَّ , اسْتَنَارَ وَجْهُهُ , حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ , وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ -: ") (59) (أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ " , فَقُلْتُ: أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ , أَمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ؟ , قَالَ: " لَا , بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ") (60) (فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ (61) مِنْ مَالِي , صَدَقَةً إِلَى اللهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) (62) (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ , فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " , فَقُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ) (63) وفي رواية: (إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْتُ فِيهَا الذَّنْبَ , وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً , فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " يُجْزِئُ عَنْكَ الثُّلُثُ ") (64) (وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , إِنَّ اللهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ , وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ , فَوَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللهُ (65) فِي صِدْقِ الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي , مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا , وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيتُ , وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ , مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ , ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ , إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ , وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا , حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ , وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ , ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا , إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ , يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ , مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ , وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ , ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ , وَلَا نَصَبٌ , وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ , وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ , وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا , إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ , إِنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ , وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً , وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا , إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ , لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (66) فَوَاللهِ مَا أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلامِ , أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ لَا أَكُونَ كَذَبْتُهُ , فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوا , فَإِنَّ اللهَ قَالَ لِلَّذِينَ) (67) (كَذَبُوا رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْمُتَخَلِّفِينَ وَاعْتَذَرُوا بِالْبَاطِلِ) (6 (حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ , شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ , فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ , قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا , لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ , قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ , وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ , ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ , فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ , سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ , فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ , إِنَّهُمْ رِجْسٌ , وَمَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ , يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ , فَإِنَّ اللهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (69) قَالَ كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِينَ حَلَفُوا لَهُ , " فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ , وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللهُ فِيهِ " , فَبِذَلِكَ قَالَ اللهُ: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللهُ مِمَّا خُلِّفْنَا عَنْ الْغَزْوِ , وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا , وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ , فَقَبِلَ مِنْهُ) (70).

__________

(1) (خ) 3735
(2) (م) 74 - (3006)
(3) العير: كل ما جُلب عليه المتاع والتجارة , من قوافل الإبل والبغال والحمير.
(4) تَوَاثَقْنَا: تعاهَدْنا.
(5) (وَإِنْ كَانَتْ بَدْر أَذْكَر فِي النَّاس) أَيْ: أَعْظَم ذِكْرًا. فتح الباري (ج12ص23
(6) الراحلة: البَعيرُ القويّ على الأسفار والأحمال، ويَقَعُ على الذكر والأنثى.
(7) ورَّى: أخفى مُراده , وستر غايته , وأوهمهم بأمر آخر.
( (خ) 4156
(9) (د) 2637
(10) (خ) 4400
(11) (خ) 4156
(12) المَفازة: البرِّيّة القَفر، سُمّيت مفازةً تفاؤلا.
(13) (خ) 2788
(14) جلَّى: أظهر وأبان.
(15) التأهب: الاستعداد.
(16) الأُهبة: الاستعداد.
(17) (خ) 4156
(1 (م) 55 - (2769)
(19) طَفِقَ يفعل الشيء: أخذ في فعله واستمر فيه.
(20) (خ) 4156
(21) (خ) 2790
(22) (خ) 2789
(23) الغُدُوّ: السير أول النهار.
(24) (فَصَلُوا) أَيْ: خرجوا من المدينة. كقوله تعالى: {وَلَمَّا فَصَلَتِ العير} , أَيْ: خرجت منطلقة من مصر إلى الشام.
(25) (تَفَارَطَ) أَيْ: فَاتَ وَسَبَقَ، وَالْفَرْط: السَّبْق. فتح الباري (ج 12 / ص 23
(26) (خ) 4156
(27) مَغْمُوصًا: مطعونا في دينه , متهَما بالنفاق.
(2 البْرُدُ والبُرْدة: الشَّمْلَةُ المخطَّطة، وقيل " كِساء أسود مُرَبَّع فيه صورٌ.
(29) عِطْفُ الْإِنْسَانِ (بِالْكَسْرِ): جَانِبُهُ , مِنْ رَأسِهِ إلَى وَرِكِهِ أَوْ قَدَمِهِ , وَمِنْهُ: هُمْ أَلْيَنُ عِطْفًا.
(30) (قَافِلًا) أَيْ: راجِعًا.
(31) (م) 53 - (2769)
(32) (سَخِطَ) أَي: غضب , وأَسْخَطَه: أَغْضَبَه.
(33) (خ) 4156
(34) (خ) 4400
(35) (م) 74 - (716)
(36) السَّريرة: ما يكتمه المرء ويخفيه , ويسره في نفسه.
(37) ابتاع: اشترى.
(3 الظَّهْر: الإبل تُعَدُّ للركوب وحمل الأثقال.
(39) تَجِدُ عَلَيَّ: تغضب مني.
(40) الأسوة: القدوة.
(41) (خ) 4156 , (س) 731
(42) (خ) 4400
(43) (خ) 4156
(44) (خ) 4400
(45) (خ) 4156
(46) (خ) 4400
(47) تسوَّر: تسلق وصعد السور أو الحائط.
(4 جَفَا فلانا: أعرض عنه وقطعه.
(49) دَارِ مَضْيَعَة: حيث يضيع حقك.
(50) أَيْ: نعطيك من المال.
(51) (م) 53 - (2769)
(52) تيمَّمَ: أراد وقصد وتوجه.
(53) التَّنُّور: مَا يُخْبَز فِيهِ.
(54) سَجَرْتُه: أَيْ: أَوْقَدْته.
(55) (بما رَحُبَتْ) أَيْ: على سَعَتها وفضائها.
(56) (أَوْفَى) أَيْ: أَشْرَفَ وَاطَّلَعَ.
(57) آذَن: أخبر وأَعْلَم.
(5 (خ) 4156
(59) (خ) 3363
(60) (خ) 4156
(61) أنْخَلِع: أخرُج , والمراد: أتنازل عن أموالي وممتلكاتي , وأتصدق بها.
(62) (م) 53 - (2769)
(63) (خ) 2607
(64) (د) 3319 , انظر هداية الرواة: 3372
(65) (أَبْلَاهُ الله) أَيْ: أَنْعَمَ عَلَيْهِ.
(66) [التوبة/117 - 121]
(67) (خ) 4156 , (م) 53 - (2769) , (ت) 3102
(6 (خ) 4400
(69) [التوبة/94 - 96]
(70) (خ) 4156 , 4400 , (م) 53 - (2769) , (حم) 15827.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــ

ثانياً: الفوائد المستنبطة من قِصَّةِ تَوْبَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه -:
حديثُ كعب بن مالك رضي الله عنه بطوله، له -كما قال بعض العلماء- أكثر من خمسين فائدة:
فمنها: ما ترجم له المصنف رحمه الله تعالى، وهو الرخصة في الجلوس في المسجد، والخروج منه بغير صلاة. وقد تقدم البحث عنه.
ومنها: جواز طلب أموال الكفار من ذوي الحرب.
ومنها: جواز الغزو في الشهر الحرام.
ومنها: التصريح بجهة الغزو إذا لم تقتض المصلحة ستره.
ومنها: أن الإِمام إذا استنفر الجيش عمومًا لزمهم النفير، ولحق اللوم بكل فرد إن تخلف. وقال السهيلي رحمه الله: إنما اشتد الغضب على من تخلف، وإن كان الجهاد فرض كفاية، لكنه في حق الأنصار خاصة فرض عين؛ لأنهم بايعوه على ذلك، ومصداق ذلك قولهم، وهم يحفرون الخندق [من الرجز]:
نَحْنُ الذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدًا
فكان تخلفهم عن هذه الغزوة كبيرة؛ لأنها كالنكث لبيعتهم، كذا قال ابن بطال رحمه الله. قال السهيلي: ولا أعرف له وجهًا غير الذي قال. قال الحافظ رحمه الله: وقد ذكرت وجهًا غير الذي ذكره، ولعله أقعد، ويؤيده قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 120] وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فعلى هذا، فيتوجه العِتاب على من تخلف مطلقًا.
ومنها: إباحة الغنيمة لهذه الأمة، إذ قال: إنما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد عِير قريش.
ومنها: أن العاجز عن الخروج بنفسه، أو بماله لا لوم عليه.
ومنها: استخلاف الإِمام مَنْ يقوم مقامه على أهله والضعفة.
ومنها: ترك قتل المنافقين، ويستنبط منه ترك قتل الزنديق إذا أظهر التوبة. وأجاب من أجازه بأن الترك كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- لمصلحة التأليف على الإِسلام.
ومنها: عظم أمر المعصية. وقد نبه الحسن البصري رحمه الله تعالى على ذلك فيما أخرجه ابن أبي حاتم عنه، قال: يا سبحان الله ما أكل هؤلاء الثلاثة مالاً حرامًا, ولا سفكوا دمًا حرامًا، ولا أفسدوا في الأرض، أصابهم ما سمعتم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فكيف بمن يواقع الفواحش والكبائر؟.
ومنها: أن القوىّ في الدِّين يؤاخذ بأشد مما يؤاخذ به الضعيف في الدين.
فإن قيل: لِمَ لَمْ يعاقب النبي -صلى الله عليه وسلم- حاطب بن أبي بَلْتَعَة رضي الله عنه، ولا هجره، حين كاتب قريشًا بتوجه النبي -صلى الله عليه وسلم- لغزوهم، وعاقب كعباً وصاحبيه.
أجيب: بأن حاطبًا إنما كاتب قريشًا خشية على أهله وولده، فأراد أن يتخذ له عندهم يدًا، فقبل عذره ذلك، بخلاف كعب وصاحبيه، فإنهم لم يكن لهم عذر أصلًا. أفاده في "الفتح" جـ 8 ص 461.
ومنها: أنه يجوز إخبار المرء عن تقصيره، وتفريطه، وعن سبب ذلك، وما آل إليه أمره تحذيراً ونصيحة لغيره.
ومنها: جواز مدح المرء بما فيه من الخير إذا أمن الفتنة.
ومنها: تسلية نفسه عما لم يحصل له بما وقع لنظيره.
ومنها: فضل أهل بدر، والعقبة.
ومنها: جواز الحلف للتأكيد من غير استحلاف.
ومنها: جواز التورية عن المقصد.
ومنها: رد الغيبة عن المسلم.
ومنها: جواز ترك وطء الزوجة مدة.
ومنها: أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن يبادر إليها، ولا يسوِّف بها لئلا يُحْرمَها، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] ومثله قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110] ونسأل الله تعالى أن يلهمنا المبادرة إلى طاعته، وأن لا يسلبنا ما خَوَّلَنا من نعمته. آمين.
ومنها: جواز تمني ما فات من الخير.
ومنها: أن الإِمام لا يهمل من تخلف عنه في بعض الأمور، بل يُذَكّرُه ليراجع التوبة.
ومنها: جواز الطعن في الرجل بما يغلب على اجتهاد الطاعن حمية لله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومنها: جواز الرد على الطاعن إذا غلب على ظن الراد وَهَمُ الطاعن، أو غلطه.
ومنها: أن المستحب للقادم أن يكون على وضوء، وأن يبدأ بالمسجد قبل بيته، فيصلي فيه، ثم يجلس لمن يسلم عليه.
ومنها: مشروعية السلام على القادم وتلقيه.
ومنها: الحكم بالظاهر، وقبول المعاذير.
ومنها: استحباب بكاء العاصي أسَفًا على ما فاته من الخير.
ومنها: إجراء الأحكام على الظاهر، ووكول السرائر إلى الله تعالى.
ومنها: ترك السلام على من أذنب، وجواز هجره أكثر من ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم يكن هجرانه شرعيًا.
ومنها: أن التبسم قد يكون عن غضب، كما يكون عن تعجب، ولا يختص بالسرور.
ومنها: معاتبة الكبير أصحابه، ومن يَعِزُّ عليه دون غيره.
ومنها: بيان فائدة الصدق وشؤم عاقبة الكذب.
ومنها: العمل بمفهوم اللقب إذا حَفَّتْه قرينة، لقوله -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا حدثه كعب: "أما هذا فقد صدق"، فإنه يشعر بأن سواه كذَبَ، لكن ليس على عمومه في حق كل أحد سواه؛ لأن مُرَارة، وهلالاً أيضًا قد صدقا، فيختص الكذب بمن حلف، واعتذر، لا بمن اعترف، ولهذا عاقب من صَدَق بالتأديب الذي ظهرت فائدته عن قريب، وأخّر من كَذَبَ للعقاب الطويل، وفي الحديث الصحيح: "إذا أراد الله بعبده خيرًا عَجَّل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد به شرّاً أمسك عنه عقوبته، فيرِدُ القيامة بذنوبه". قيل: وإنما غُلِّظَ في حق هؤلاء الثلاثة لأنهم تركوا الواجب عليهم من غير عذر، ويدل عليه قوله تعالى: {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} [التوبة: 120] وقول الأنصار [من الرجز]:
نَحْنُ الذِين بَايَعُوا مُحَمَّدًا ... عَلَى الجِهَادِ مَا بَقِينَا أبَدَا
ومنها: تبريد حَرِّ المصيبة بالتأسي بالنظير.
ومنها: عظم مقدار الصدق في القول والفعل، وتعليق سعادة الدنيا والآخرة والنجاة من شرِّهما به.
ومنها: أن من عوقب بالهجر يُعذَر في التخلف عن صلاة الجماعة؛ لأن مُرَارة وهلالاً لم يخرجا من بيوتهما تلك المدة.
ومنها: سقوط رد السلام على المهجور عمن سلم عليه إذ لو كان واجباً لم يقل كعب: هل حرك شفتيه برد السلام؟.
ومنها: جواز دخول المرء دار جاره وصديقه بغير إذنه ومن غير الباب إذا علم رضاه.
ومنها: أن قول المرء: "الله ورسوله أعلم" ليس بخطاب، ولا كلام، ولا يحنث به من حلف أن لا يكلم فلاناً إذا لم ينو به مكالمته، وإنما قال أبو قتادة ذلك لمَّا ألحَّ عليه كعب، وإلا فقد تقدم أن رسول ملك غسان لَمَّا سأل عن كعب جعل الناس يشيرون له إلى كعب، ولا يتكلمون بقولهم مثلًا: هذا كعب، مبالغة في هجره، والإعراض عنه.
ومنها: أن مسارقة النظر في الصلاة لا تقدح في صحتها.
ومنها: إيثار طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- على مَوَدَّة القريب.
ومنها: مشروعية خدمة المرأة زوجها.
ومنها: الاحتياط بمجانبة ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه حيث لم يستأذن كعب في خدمة امرأته لذلك.
ومنها: جواز تحريق ما فيه اسم الله تعالى للمصلحة.
ومنها: مشروعية سجود الشكر.
ومنها: مشروعية الاستباق إلى البشارة بالخير.
ومنها: مشروعية إعطاء البشير أنْفَسَ ما يحضر الذي يأتيه بالبشارة.
ومنها: مشروعية تهنئة من تجددت له نعمة، والقيام إليه إذا أقبل.
ومنها: اجتماع الناس عند الإِمام في الأمور المهمة.
ومنها: سرور الإِمام بما يَسُرُّ أتباعه.
ومنها: مشروعية العارية.
ومنها: مشروعية مصافحة القادم.
ومنها: التزام المداومة على الخير الذي ينتفع به.
ومنها: استحباب الصدقة عند التوبة.
ومنها: أن من نذر الصدقة بكل ماله لم يلزمه إخراج جميعه (1). والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب.
...
__________
(1) راجع "الفتح" جـ 8 ص 466 - 467. و"عمدة القاري" جـ 14 ص 389.