جديدالموقع

إرشاد الخطيب إلي هدي الحبيب-صلى الله عليه وسلم- في خطبة الجمعة








الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ خَلْقَهُ أَطْوَارًا ، وَصَرَّفَهُمْ فِي أَطْوَارِ التَّخْلِيقِ كَيْف شَاءَ عِزَّةً وَاقْتِدَارًا ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ إلَى الْمُكَلَّفِينَ إعْذَارًا مِنْهُ وَإِنْذَارًا ، فَأَتَمَّ بِهِمْ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ سَبِيلَهُمْ نِعْمَتَهُ السَّابِغَةَ ، وَأَقَامَ بِهِمْ عَلَى مَنْ خَالَفَ مَنَاهِجَهُمْ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ ، فَنَصَبَ الدَّلِيلَ ، وَأَنَارَ السَّبِيلَ ، وَأَزَاحَ الْعِلَلَ ، وَقَطَعَ الْمَعَاذِيرَ ، وَأَقَامَ الْحُجَّةَ ، وَأَوْضَحَ الْمُحَجَّةَ ، وَقَالَ : } هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ {وَهَؤُلَاءِ رُسُلِي } مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {، فَعَمَّهُمْ بِالدَّعْوَةِ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ حُجَّةً مِنْهُ وَعَدْلًا ، وَخَصَّ بِالْهِدَايَةِ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ نِعْمَةً وَفَضْلًا ، فَقِيلَ : نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ سَابِقَةُ السَّعَادَةِ وَتَلَقَّاهَا بِالْيَمِينِ ، وَقَالَ : } رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمَتْ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدِيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِك فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ { ، وَرَدَّهَا مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الشَّقَاوَةُ وَلَمْ يَرْفَعْ بِهَا رَأْسًا بَيْنَ الْعَالَمِينَ ، فَهَذَا فَضْلُهُ وَعَطَاؤُهُ } وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا { وَلَا فَضْلُهُ بِمَمْنُونٍ ، وَهَذَا عَدْلُهُ وَقَضَاؤُهُ فَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ فَسُبْحَانَ مَنْ أَفَاضَ عَلَى عِبَادِهِ النِّعْمَةَ ، وَكَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ، وَأَوْدَعَ الْكِتَابَ الَّذِي كَتَبَهُ ، إنَّ رَحْمَتَهُ تَسْبِقُ غَضَبَهُ ، وَتَبَارَكَ مَنْ لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَوَحْدَانِيِّتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ أَعْدَلُ شَاهِدٍ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أَنْ فَاضَلَ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي مَرَاتِبِ الْكَمَالِ حَتَّى عَدَلَ الْآلَافَ الْمُؤَلَّفَةَ مِنْهُمْ بِالرَّجُلِ الْوَاحِدِ ، ذَلِكَ لِيَعْلَمَ عِبَادُهُ أَنَّهُ أَنْزَلَ التَّوْفِيقَ مَنَازِلَهُ ، وَوَضَعَ الْفَضْلَ مَوَاضِعَهُ ، وَأَنَّهُ } يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ {} وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ { ، }وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاَللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ {أَحْمَدُهُ وَالتَّوْفِيقُ لِلْحَمْدِ مِنْ نِعَمِهِ ، وَأَشْكُرُهُ وَالشُّكْرُ كَفِيلٌ بِالْمَزِيدِ مِنْ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وَقَسَمِهِ ، وَاسْتَغْفِرْهُ وَأَتُوبُ إلَيْهِ مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تُوجِبُ زَوَالَ نِعَمِهِ وَحُلُولَ نِقَمِهِ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ كَلِمَةٌ قَامَتْ بِهَا الْأَرْضُ وَالسَّمَوَاتُ ، وَفَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْمَخْلُوقَاتِ وَعَلَيْهَا أُسِّسَتْ الْمِلَّةُ ، وَنُصِبَتْ الْقِبْلَةُ ، وَلِأَجْلِهَا جُرِّدَتْ سُيُوفُ الْجِهَادِ ، وَبِهَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَمِيعَ الْعِبَادِ ؛ فَهِيَ فِطْرَةُ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ، وَمِفْتَاحُ عُبُودِيَّتِهِ الَّتِي دَعَا الْأُمَمَ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ إلَيْهَا ، وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِسْلَامِ ؛ وَمِفْتَاحُ دَارِ السَّلَامِ ، وَأَسَاسُ الْفَرْضِ وَالسُّنَّةِ ، وَمَنْ كَانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إلَه إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ ، وَحُجَّتُهُ عَلَى عِبَادِهِ ، وَأَمِينُهُ عَلَى وَحْيِهِ ، أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمَيْنِ ، وَقُدْوَةً لِلْعَالَمَيْنِ ، وَمُحَجَّةً لِلسَّالِكِينَ ، وَحُجَّةً عَلَى الْمُعَانِدِينَ ، وَحَسْرَةً عَلَى الْكَافِرِينَ ، أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدَيْنِ الْحَقِّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًّا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ نِعْمَةً لَا يَسْتَطِيعُونَ لَهَا شَكُورًا ، فَأَمَدَّهُ بِمَلَائِكَتِهِ الْمُقَرَّبِينَ ، وَأَيَّدَهُ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ الْمُبِينَ ، الْفَارِقَ بَيْنَ الْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ وَالشَّكِّ وَالْيَقِينِ ، فَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ ، وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ ، وَرَفَعَ لَهُ ذِكْرَهُ ، وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصِّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ ، وَأَقْسَمَ بِحَيَاتِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُبِينِ ، وَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ فَإِذَا ذُكِرَ ذُكِرَ مَعَهُ كَمَا فِي الْخُطَبِ وَالتَّشَهُّدِ وَالتَّأْذِينِ وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَالْقِيَامَ بِحُقُوقِهِ ، وَسَدَّ الطُّرُقَ كُلَّهَا إلَيْهِ وَإِلَى جَنَّتِهِ فَلَمْ يُفْتَحْ لِأَحَدٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِهِ ؛ فَهُوَ الْمِيزَانُ الرَّاجِحُ الَّذِي عَلَى أَخْلَاقِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَعْمَالِهِ تُوزَنُ الْأَخْلَاقُ وَالْأَقْوَالُ وَالْأَعْمَالُ ، وَالْفُرْقَانُ الْمُبِينُ الَّذِي بِاتِّبَاعِهِ يُمَيَّزُ أَهْلُ الْهُدَى مِنْ أَهْلِ الضَّلَالِ ، وَلَمْ يَزَلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُشَمِّرًا فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَرُدُّهُ عَنْهُ رَادٌّ ، صَادِعًا بِأَمْرِهِ لَا يَصُدُّهُ عَنْهُ صَادٌّ ، إلَى أَنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الْأَمَانَةَ وَنَصَحَ الْأَمَةَ وَجَاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ الْجِهَادِ ، فَأَشْرَقَتْ بِرِسَالَتِهِ الْأَرْضُ بَعْدَ ظُلُمَاتِهَا ، وَتَأَلَّفَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ شَتَاتِهَا ، وَامْتَلَأَتْ بِهِ الْأَرْضُ نُورًا وَابْتِهَاجًا ، وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دَيْنِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ، فَلَمَّا أَكْمَلَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ الدِّينَ ، وَأَتَمَّ بِهِ النِّعْمَةَ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ، اسْتَأْثَرَ بِهِ وَنَقَلَهُ إلَى الرَّفِيقِ الْأَعْلَى ، وَالْمَحِلِّ الْأَسْنَى ، وَقَدْ تَرَكَ أُمَّتَهُ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاءِ ، وَالطَّرِيقِ الْوَاضِحَةِ الْغَرَّاءِ ، فَصَلَّى اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَرُسُلُهُ وَالصَّالِحُونَ مِنْ عِبَادِهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ كَمَا وَحَّدَ اللَّهَ وَعَرَّفَ بِهِ وَدَعَا إلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ أَوْلَى مَا يَتَنَافَسُ بِهِ الْمُتَنَافِسُونَ ، وَأَحْرَى مَا يَتَسَابَقُ فِي حَلَبَةِ سِبَاقِهِ الْمُتَسَابِقُونَ ، مَا كَانَ بِسَعَادَةِ الْعَبْدِ فِي مَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ كَفِيلًا ، وَعَلَى طَرِيقِ هَذِهِ السَّعَادَةِ دَلِيلًا ، وَذَلِكَ الْعِلْمُ النَّافِعُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ اللَّذَانِ لَا سَعَادَةَ لِلْعَبْدِ إلَّا بِهِمَا ، وَلَا نَجَاةَ لَهُ إلَّا بِالتَّعَلُّقِ بِسَبَبِهِمَا ، فَمَنْ رُزِقَهُمَا فَقَدْ فَازَ وَغَنِمَ ، وَمَنْ حُرِمَهُمَا فَالْخَيْرُ كُلُّهُ حُرِمَ ، وَهُمَا مَوْرِدُ انْقِسَامِ الْعِبَادِ إلَى مَرْحُومٍ وَمَحْرُومٍ ، وَبِهِمَا يَتَمَيَّزُ الْبَرُّ مِنْ الْفَاجِرِ وَالتَّقِيُّ مِنْ الْغَوِيِّ وَالظَّالِمُ مِنْ الْمَظْلُومِ ، وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ لِلْعَمَلِ قَرِينًا وَشَافِعًا ، وَشَرَفُهُ لِشَرَفِ مَعْلُومِهِ تَابِعًا ، كَانَ أَشْرَفُ الْعُلُومِ عَلَى الْإِطْلَاقِ عِلْمَ التَّوْحِيدِ ، وَأَنْفَعُهَا عَلَى أَحْكَامِ أَفْعَالِ الْعَبِيدِ ، وَلَا سَبِيلَ إلَى اقْتِبَاسِ هَذَيْنِ النُّورَيْنِ وَتَلَقِّي هَذَيْنِ الْعِلْمَيْنِ ، إلَّا مِنْ مُشَكَّاةِ مَنْ قَامَتْ الْأَدِلَّةُ الْقَاطِعَةُ عَلَى عِصْمَتِهِ ، وَصَرَّحَتْ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِ وَمُتَابَعَتِهِ ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ الَّذِي لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى ؛ إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى وَلَمَّا كَانَ التَّلَقِّي عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ :
أ ) ـ نَوْعٌ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ . ب ) ـ نَوْعٌ بِوَاسِطَةٍ .
الأول : كَانَ التَّلَقِّي بِلَا وَاسِطَةٍ حَظَّ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ حَازُوا قَصَبَاتِ السَّبَّاقِ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْأَمَدِ فَلَا طَمَعَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ بَعْدَهُمْ فِي اللِّحَاقِ ، وَلَكِنْ الْمُبْرِزُ مَنْ اتَّبَعَ صِرَاطَهُمْ الْمُسْتَقِيمَ ، وَاقْتَفَى مِنْهَاجَهُمْ الْقَوِيمَ وَالْمُتَخَلِّفُ مَنْ عَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ، فَذَلِكَ الْمُنْقَطِعُ التَّائِهُ فِي بَيْدَاءِ الْمَهَالِكِ وَالضَّلَالِ ، فَأَيُّ خَصْلَةٍ خَيْرٌ لَمْ يَسْبِقُوا إلَيْهَا ؟ وَأَيُّ خُطَّةِ رُشْدٍ لَمْ يُسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا ؟ تَاللَّهِ لَقَدْ وَرَدُوا رَأْسَ الْمَاءِ مِنْ عَيْنِ الْحَيَاةِ عَذْبًا صَافِيًا زُلَالًا ، وَأَيَّدُوا قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَدَعُوا لِأَحَدٍ بَعْدَهُمْ مَقَالًا ، فَتَحُوا الْقُلُوبَ بِعَدْلِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَانِ وَالْقُرَى بِالْجِهَادِ بِالسَّيْفِ وَالسِّنَّانِ ، وَأَلْقَوْا إلَى التَّابِعِينَ مَا تَلَقَّوْهُ مِنْ مُشَكَّاةِ النُّبُوَّةِ خَالِصًا صَافِيًا ، وَكَانَ سَنَدُهُمْ فِيهِ عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ سَنَدًا صَحِيحًا عَالِيًا . 
وَقَالُوا : هَذَا عَهْدُ نَبِيِّنَا إلَيْنَا وَقَدْ عَهِدْنَا إلَيْكُمْ ، وَهَذِهِ وَصِيَّةُ رَبِّنَا وَفَرْضُهُ عَلَيْنَا وَهِيَ وَصِيَّتُهُ وَفَرْضُهُ عَلَيْكُمْ الثاني :فَجَرَى التَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ الْقَوِيمِ ، وَاقْتَفُوا عَلَى آثَارِهِمْ صِرَاطَهُمْ الْمُسْتَقِيمِ ثُمَّ سَلَكَ تَابِعُو التَّابِعِينَ هَذَا الْمَسْلَكَ الرَّشِيدَ ، } وَهُدُوا إلَى الطَّيِّبِ مِنْ الْقَوْلِ وَهُدُوا إلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ { ، وَكَانُوا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ قَبْلَهُمْ كَمَا قَالَ أَصْدَقُ الْقَائِلِينَ : } ثُلَّةٌ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَقَلِيلٌ مِنْ الْآخِرِينَ{ ثُمَّ جَاءَتْ الْأَئِمَّةُ مِنْ الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْمُفَضَّلِ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ y ، فَسَلَكُوا عَلَى آثَارِهِمْ اقْتِصَاصًا ، وَاقْتَبَسُوا هَذَا الْأَمْرَ عَنْ مِشْكَاتِهِمْ اقْتِبَاسًا ، وَكَانَ دِينُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ أَجَلَّ فِي صُدُورِهِمْ ، وَأَعْظَمَ فِي نُفُوسِهِمْ ، مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهِ رَأْيًا أَوْ مَعْقُولًا أَوْ تَقْلِيدًا أَوْ قِيَاسًا ، فَطَارَ لَهُمْ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ فِي الْعَالَمِينَ ، وَجَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ ، ثُمَّ سَارَ عَلَى آثَارِهِمْ الرَّعِيلُ الْأَوَّلُ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ ، وَدَرَجَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ الْمُوَفَّقُونَ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ ، زَاهِدِينَ فِي التَّعَصُّبِ لِلرِّجَالِ ، وَاقِفِينَ مَعَ الْحُجَّةِ وَالِاسْتِدْلَالِ ، يَسِيرُونَ مَعَ الْحَقِّ أَيْنَ سَارَتْ رَكَائِبُهُ ، وَيَسْتَقِلُّونَ مَعَ الصَّوَابِ حَيْثُ اسْتَقَلَّتْ مَضَارِبُهُ ، إذَا بَدَا لَهُمْ الدَّلِيلُ بِأُخْذَتِهِ طَارُوا إلَيْهِ زَرَافَاتٍ وَوُحْدَانًا ، وَإِذَا دَعَاهُمْ الرَّسُولُ إلَى أَمْرٍ انْتَدَبُوا إلَيْهِ وَلَا يَسْأَلُونَهُ عَمَّا قَالَ بُرْهَانًا ، وَنُصُوصُهُ أَجَلُّ فِي صُدُورِهِمْ وَأَعْظَمُ فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ أَنْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ، أَوْ يُعَارِضُوهَا بِرَأْيٍ أَوْ قِيَاسٍ ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا وَكُلٌّ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ، جَعَلُوا التَّعَصُّبَ لِلْمَذَاهِبِ دِيَانَتَهُمْ الَّتِي بِهَا يَدِينُونَ ، وَرُءُوسَ أَمْوَالِهِمْ الَّتِي بِهَا يَتَّجِرُونَ ، وَآخَرُونَ مِنْهُمْ قَنَعُوا بِمَحْضِ التَّقْلِيدِ .وَقَالُوا : } إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ { ، وَالْفَرِيقَانِ بِمَعْزِلٍ عَمَّا يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ مِنْ الصَّوَابِ ، وَلِسَانُ الْحَقِّ يَتْلُو عَلَيْهِمْ :}لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ { .أهـ .([1])




فصل




إجماعان




الإجماع الأول : قَالَ الشَّافِعِيُّ : - قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى رُوحَهُ - :pأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ i.
الإجماع الثاني : قَالَ أَبُو عُمَرَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ : pأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَأَنَّ الْعِلْمَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ بِدَلِيلِهِ ، وَهَذَا كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ ـ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ: فَإِنَّ النَّاسَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْعِلْمَ هُوَ الْمَعْرِفَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ الدَّلِيلِ ، وَأَمَّا بِدُونِ الدَّلِيلِ فَإِنَّمَا هُوَ تَقْلِيدٌ . 
فَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَانِ الْإِجْمَاعَانِ إخْرَاجَ الْمُتَعَصِّبِ بِالْهَوَى وَالْمُقَلِّدِ الْأَعْمَى عَنْ زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ ، وَسُقُوطَهُمَا بِاسْتِكْمَالِ مَنْ فَوْقَهُمَا الْفُرُوضَ مِنْ وَرَاثَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ )الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ ( ، وَكَيْفَ يَكُونُ مِنْ وَرَثَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَجْهَدُ وَيَكْدَحُ فِي رَدِّ مَا جَاءَ بِهِ إلَى قَوْلِ مُقَلِّدِهِ وَمَتْبُوعِهِ ، وَيُضَيِّعُ سَاعَاتِ عُمْرِهِ فِي التَّعَصُّبِ وَالْهَوَى وَلَا يَشْعُرُ بِتَضْيِيعِهِ تَاللَّهِ إنَّهَا فِتْنَةٌ عَمَّتْ فَأَعْمَتْ ، وَرَمَتْ الْقُلُوبَ فَأَصْمَتْ ، رَبَا عَلَيْهَا الصَّغِيرُ ، وَهَرِمَ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَاُتُّخِذَ لِأَجْلِهَا الْقُرْآنُ مَهْجُورًا ، وَكَانَ ذَلِكَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ، وَلَمَّا عَمَّتْ بِهَا الْبَلِيَّةُ ، وَعَظُمَتْ بِسَبَبِهَا الرَّزِيَّةُ ، بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُ أَكْثَرُ النَّاسِ سِوَاهَا ، وَلَا يُعِدُّونَ الْعِلْمَ إلَّا إيَّاهَا ، فَطَالِبُ الْحَقِّ مِنْ مَظَانِّهِ لَدَيْهِمْ مَفْتُونٌ ، وَمُؤْثِرُهُ عَلَى مَا سِوَاهُ عِنْدَهُمْ مَغْبُونٌ ، نَصَبُوا لِمَنْ خَالَفَهُمْ فِي طَرِيقِهِمْ الْحَبَائِلَ ، وَبَغَوْا لَهُ الْغَوَائِلَ ، وَرَمَوْهُ عَنْ قَوْسِ الْجَهْلِ وَالْبَغْيِ وَالْعِنَادِ ،وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ : إنَّا نَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يَظْهَرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ فَحَقِيقٌ بِمَنْ لِنَفْسِهِ عِنْدَهُ قَدْرٌ وَقِيمَةٌ ، أَلَا يَلْتَفِتَ إلَى هَؤُلَاءِ وَلَا يَرْضَى لَهَا بِمَا لَدَيْهِمْ ، وَإِذَا رُفِعَ لَهُ عِلْمُ السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ شَمَّرَ إلَيْهِ وَلَمْ يَحْبِسْ نَفْسَهُ عَلَيْهِمْ ، فَمَا هِيَ إلَّا سَاعَةٌ حَتَّى يُبَعْثَرَ مَا فِي الْقُبُورِ وَيُحَصَّلُ مَا فِي الصُّدُورِ ، وَتَتَسَاوَى أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ فِي الْقِيَامِ لِلَّهِ ، وَيَنْظُرُ كُلُّ عَبْدٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ، وَيَقَعُ التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمُحِقِّينَ وَالْمُبْطِلِينَ ، وَيَعْلَمُ الْمُعْرِضُونَ عَنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ i.أهـ ([2]) .

فصل

أيها الخطيب : إعْلَمْ لَمَّا كَانَتْ الدَّعْوَةُ إلَى اللَّهِ وَالتَّبْلِيغُ عَنْ رَسُولِهِ e شِعَارُ حِزْبِهِ الْمُفْلِحِينَ ، وَأَتْبَاعِهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : } قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ{ وَكَانَ التَّبْلِيغُ عَنْهُ مِنْ عَيْنِ تَبْلِيغِ أَلْفَاظِهِ وَمَا جَاءَ بِهِ وَتَبْلِيغِ مَعَانِيهِ .
َفكُنّ مِنْ َالْقَادَةِ الَّذِينَ هُمْ أَئِمَّةُ الْأَنَامِ وَزَوَامِلُ الْإِسْلَامِ ، الَّذِينَ حَفِظُوا عَلَى الْأَئِمَّةِ مَعَاقِدَ الدِّينِ وَمَعَاقِلَهُ ، وَحَمَوْا مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّكْدِيرِ مَوَارِدَهُ وَمَنَاهِلَهُ ، حَتَّى وَرَدَ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ الْحُسْنَى تِلْكَ الْمَنَاهِلَ صَافِيَةً مِنْ الْأَدْنَاسِ لَمْ تَشُبْهَا الْآرَاءُ تَغْيِيرًا ، وَوَرَدُوا فِيهَا } عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا { ، وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ـ رحمه الله تعالى ـ فِي خُطْبَتِهِ الْمَشْهُورَةِ فِي : "كِتَابِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ "p الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي كُلِّ زَمَانِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِيَدْعُونَ مَنْ ضَلَّ إلَى الْهُدَى ، وَيَصْبِرُونَ مِنْهُمْ عَلَى الْأَذَى ، وَيُحْيُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَوْتَى ، وَيُبَصِّرُونَ بِنُورِ اللَّهِ أَهْلَ الْعَمَى ، فَكَمْ مِنْ قَتِيلٍ لِإِبْلِيسٍ قَدْ أَحْيَوْهُ ، وَكَمْ مِنْ ضَالٍّ تَائِهٍ قَدْ هَدَوْهُ ، فَمَا أَحْسَنَ أَثَرَهُمْ عَلَى النَّاسِ وَمَا أَقْبَحَ أَثَرَ النَّاسِ عَلَيْهِمْ ، يَنْفُونَ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ ، وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ ، وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ ، الَّذِينَ عَقَدُوا أَلْوِيَةَ الْبِدْعَةِ ، وَأَطْلَقُوا عَنَانَ الْفِتْنَةِ ، فَهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْكِتَابِ ، مُخَالِفُونَ لِلْكِتَابِ ، مُجْمِعُونَ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكِتَابِ ،يَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ وَفِي اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، يَتَكَلَّمُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ الْكَلَامِ ، وَيَخْدَعُونَ جُهَّالَ النَّاسِ بِمَا يُشَبِّهُونَ عَلَيْهِمْ ؛ فَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمُضِلِّينَiأهـ.
([3]).


فَصْلٌ



خَوَاصّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

قال العلامة شمس الدين ابن القيم - رحمه الله تعالى - مبيناً ( خَوَاصّ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ)منها:
الْخَاصّةُ الأولى:كَانَ مِنْ هَدْعْيِهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم تَظِيمُ هَذَا الْيَوْمِ وَتَشْرِيفُهُ:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ:((خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ))([1])
الْخَاصّةُ الثّانِيَةُ : اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ الصّلَاةِ عَلَى النّبِيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فِيهِ:عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ tقَالَ : قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ يَقُولُونَ بَلِيتَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ))([2]).
الْخَاصّةُ الثّالِثَةُ : صَلَاةُ الْجُمُعَةِ الّتِي هِيَ مِنْ آكَدِ فُرُوضِ الْإِسْلَامِ:قال الله تعالى:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا البَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{[الجمعة آية: (9)] .
الْخَاصّةُ الرّابِعَةُ : الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ فِي يَوْمِهَا وَهُوَ أَمْرٌ مُؤَكّدٌ جِدّا وَوُجُوبُهُ أَقْوَى:عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِصلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ:(( غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ))([3])
الْخَاصّةُ الْخَامِسَةُ : السّوَاكُ فِيهِ وَلَهُ مَزِيّةٌ عَلَى السّوَاكِ فِي غَيْرِهِ :عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ:((غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ))([4]).
الْخَاصّةُ السّادِسَةُ :التّطَيّبُ فِيهِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ التّطَيّبِ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَيّامِ الْأُسْبُوعِ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قَالَ:((غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَسِوَاكٌ وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ)) وفي رواية (وَلَوْ مِنْ طِيبِ الْمَرْأَةِ )([5]).
الْخَاصّةُ السّابِعَةُ: التّبْكِيرُ لِلصّلَاةِ: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ tقَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((مَنْ غَسّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ))،وفي رواية ((مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا))([6]).
الْخَاصّةُ الثّامِنَةُ:أَنْ يَشْتَغِلَ بِالصّلَاةِ وَالذّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ حَتّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ:لقولهصلى الله عليه وعلى آله وسلم:((ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى))([7]).
الْخَاصّةُ التّاسِعَةُ: أَنّهُ يَوْمُ عِيدٍ مُتَكَرّرٍ فِي الْأُسْبُوعِ:عَنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِtقَالَ:قَالَ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((إِنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَيِّدُ الْأَيَّامِ وَأَعْظَمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَهُوَ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ فِيهِ خَمْسُ خِلَالٍ خَلَقَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ وَأَهْبَطَ اللَّهُ فِيهِ آدَمَ إِلَى الْأَرْضِ وَفِيهِ تَوَفَّى اللَّهُ آدَمَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا الْعَبْدُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ وَلَا رِيَاحٍ وَلَا جِبَالٍ وَلَا بَحْرٍ إِلَّا وَهُنَّ يُشْفِقْنَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ))([8])،وفي رواية قَالَ:صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((أتاني جبريل عليه السلام وفي يده مرآة بيضاء فيها
نكتة سوداء فقلت ما هذه يا جبريل قال هذه الجمعة يعرضها عليك ربك لتكون لك عيدا ولقومك من بعدك))([9]).
الْخَاصّةُ الْعَاشِرَةُ: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِهَا:لقولهصلى الله عليه وعلى آله وسلم:((من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ))([10])،وفي رواية (أضاء له النور ما بينه وبين البيت العتيق)([11])
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:إنّهُ يُسْتَحَبّ أَنْ يُلْبَسَ فِيهِ أَحْسَنُ الثّيَابِ الّتِي يَقْدِرُ عَلَيْهَا:عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنهما ـ قَالَا : قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاسْتَاكَ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَلَمْ يَتَخَطَّ رِقَابَ النَّاسِ ثُمَّ رَكَعَ مَا شَاءَ أَنْ يَرْكَعَ ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ فَلَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ زِيَادَةٌ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا))([12]).
الثّانِيَةَ عَشْرَةَ:قِرَاءَةُ سُورَةِ "الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ " أَوْ " سَبّحْ وَالْغَاشِيَةِ " فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَقَدْ كَانَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقْرَأُ بِهِنّ فِي الْجُمُعَةِ ثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ كُلّهُ:عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ tأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ ))([13])، وعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍtقَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ))([14])،وَلَا يُسْتَحَبّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ كُلّ سُورَةٍ بَعْضَهَا أَوْ يَقْرَأُ إحْدَاهُمَا فِي الرّكْعَتَيْنِ فَإِنّهُ خِلَافُ السّنّةِ وَجُهّالُ الْأَئِمّةِ يُدَاوِمُونَ عَلَى ذَلِكَ .
الثّالِثَةَ عَشْرَةَ:أَنّهُ يُسْتَحَبّ فِيهِ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ: فَقَدْ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْمُجْمِرِ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَمَرَ أَنْ يُجَمّرَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ كُلّ جُمُعَةٍ حِينَ يَنْتَصِفُ النّهَارُ قُلْتُ وَلِذَلِكَ سُمّيَ نَعِيمَ الْمُجَمّرَ.([15]).
الرّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنّ لِلْمَاشِي إلَى الْجُمُعَةِ بِكُلّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامَهَا وَقِيَامَهَا: عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ tقَالَ: قَالَ: رَسُولُ اللّهِصلى الله عليه وعلى آله وسلم:((مَنْ غَسّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا صِيَامُ سَنَةٍ وَقِيَامُهَا وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ ))،وفي رواية ((مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ فَدَنَا مِنْ الْإِمَامِ وَاسْتَمَعَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا))([16]).
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنّهُ يَوْمُ تَكْفِيرِ السّيّئَاتِ:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلمكَانَ يَقُولُ:((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ))([17])
وعَنْهt قَالَ:قَالَ:رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم:((مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا))([18]).
السّادِسَةَ عَشْرَةَ:أَنّ فِيهِ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي لَا يَسْأَلُ اللّهَ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فِيهَا شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tقَالَ:قَالَصلى الله عليه وعلى آله وسلم:((إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا يُزَهِّدُهَا))،وفي رواية الإمام البخاري (وَقَالَ بِيَدِهِ وَوَضَعَ أُنْمُلَتَهُ عَلَى بَطْنِ الْوُسْطَى وَالْخِنْصِرِ قُلْنَا يُزَهِّدُهَا)([19]).
السّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنّ فِيهِ الْخُطْبَةَ الّتِي يُقْصَدُ بِهَا الثّنَاءُ عَلَى اللّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالشّهَادَةُ لَهُ بِالْوَحْدَانِيّةِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّسَالَةِ وَتَذْكِيرِ الْعِبَادِ بِأَيّامِهِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ بَأْسِهِ وَنِقْمَتِهِ وَوَصِيّتِهِمْ بِمَا يُقَرّبُهُمْ إلَيْهِ وَإِلَى جِنَانِهِ وَنَهْيِهِمْ عَمّا يُقَرّبُهُمْ مِنْ سُخْطِهِ وَنَارِهِ فَهَذَا هُوَ مَقْصُودُ الْخُطْبَةِ وَالِاجْتِمَاعِ لَهَا.
الثّامِنَةَ عَشْرَةَ:أَنّهُ الْيَوْمُ الّذِي يُسْتَحَبّ أَنْ يُتَفَرّغَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَلَهُ عَلَى سَائِرِ الْأَيّامِ مَزِيّةٌ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَاجِبَةٌ وَمُسْتَحَبّةٌ فَاَللّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ لِأَهْلِ كُلّ مِلّةٍ يَوْمًا يَتَفَرّغُونَ فِيهِ لِلْعِبَادَةِ وَيَتَخَلّوْنَ فِيهِ عَنْ أَشْغَالِ الدّنْيَا فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِبَادَةٍ وَهُوَ فِي الْأَيّامِ كَشَهْرِ رَمَضَانَ فِي الشّهُورِ وَسَاعَةُ الْإِجَابَةِ فِيهِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي رَمَضَانَ . وَلِهَذَا مَنْ صَحّ لَهُ يَوْمُ جُمُعَتِهِ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ جُمْعَتِهِ وَمَنْ صَحّ لَهُ رَمَضَانُ وَسَلِمَ سَلِمَتْ لَهُ سَائِرُ سَنَتِهِ وَمَنْ صَحّتْ لَهُ حَجّتُهُ وَسَلِمَتْ لَهُ صَحّ لَهُ سَائِرُ عُمْرِهِ فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ مِيزَانُ الْأُسْبُوعِ وَرَمَضَانُ مِيزَانُ الْعَامِ وَالْحَجّ مِيزَانُ الْعُمْرِ . وَبِاَللّهِ التّوْفِيقُ أهـ.
التّاسِعَةَ عَشْرَةَ: أَنّهُ لَمّا كَانَ فِي الْأُسْبُوعِ كَالْعِيدِ فِي الْعَامِ وَكَانَ الْعِيدُ مُشْتَمِلًا عَلَى صَلَاةٍ وَقُرْبَانٍ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمَ صَلَاةٍ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ التّعْجِيلَ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ بَدَلًا مِنْ الْقُرْبَانِ وَقَائِمًا مَقَامَهُ فَيَجْتَمِعُ لِلرّائِحِ فِيهِ إلَى الْمَسْجِدِ الصّلَاةُ وَالْقُرْبَانُ كَمَا فِي " الصّحِيحَيْنِ " عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ tعَنْ النّبِيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلمأَنّهُ قَالَ:((مَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّانِيَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السّاعَةِ الثّالِثَةِ فَكَأَنّمَا قَرّبَ كَبْشًا أَقْرَن))([20]).قلت:قَالَ الإمام أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرّ ـ رحمه الله:(اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تِلْكَ السّاعَاتِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَرَادَ السّاعَاتِ مِنْ طُلُوعِ الشّمْسِ وَصَفَائِهَا وَالْأَفْضَلُ عِنْدَهُمْ التّبْكِيرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثّوْرِيّ وَأَبِي حَنِيفَة َ وَالشّافِعِيّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ بَلْ كُلّهُمْ يُسْتَحَبّ الْبُكُورُ إلَيْهَا).
الْعِشْرُونَ:أَنّهُ يَوْمٌ يَتَجَلّى اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ لِأَوْلِيَائِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنّةِ وَزِيَارَتهمْ لَهُ U فَيَكُونُ أَقْرَبُهُمْ مِنْهُ أَقْرَبَهُمْ مِنْ الْإِمَامِ وَأَسْبَقُهُمْ إلَى الزّيَارَةِ أَسْبَقَهُمْ إلَى الْجُمُعَةِ :((عن أنس بن مالك t، عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال:أَتَانِي جِبْرِيْلُ وَفِي يَدِهِ كَالمِرْآَةِ البَيْضاءِ فِيهَا كَالنكْتَةِ السوْدَاءِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هذِهِ الجمُعَة يَعْرِضهَا اللَهُ عَلَيْكَ لِتكُونَ لَكَ عِيداً ولِقَوْمِكَ مِنْ بَعْدِكَ، قُلْتُ: وَمَا لَنَا فيها؟ قَالَ: لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ، أَنْتَ فِيهَا الأَوَّلُ، واليَهُودُ وَالنَّصَارَى مِنْ بَعْدِكَ، وَلَكَ فِيهَا سَاعَةٌ لاَ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدٌ فِيهَا شَيْئاً هُوَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعْطَاهُ، أَوْ لَيْسَ لَهُ قَسْمٌ إِلاَّ أَعطَاهُ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَأَعَاذُه اللَّهُ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَلَيْهِ، وإِلاَّ دَفَعَ عَنْهُ مَا هُوَ أَعظَمُ مِنْ ذلِك. قال: قُلْتُ: وَمَا هذِهِ النّكتَةُ السَّوْدَاءُ؟ قَالَ: هِيَ السَّاعَةُ تَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَهُوَ عِنْدَنَا سَيِّدُ الأَيَّامِ، وَيَدْعُوهُ أَهْلُ الآخِرَةِ يَوْمَ المَزيدِ.
قَالَ: قُلْتُ: يَا جِبرِيلُ ! وَمَا يَوْمُ المَزِيدِ؟ قال: ذلِكَ أَنَّ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ اتَّخَذَ في الجَنَّةِ وَادِياً أَفْيَحَ مِنْ مِسْكٍ أَبْيَضَ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الجُمُعَةِ، نَزَلَ عَلَى كُرْسِيِّه، ثُمَّ حُفَّ الكُرْسِيُّ بِمَنَابِرَ مِنْ نُورٍ، فَيَجِيءُ النَّبِيُونَ حَتَّى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، ثُمَّ حُفَّ المَنَابِرُ بِمَنَابِرَ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَجِيءُ الصِّدِّيقونَ والشُهدَاءُ حَتَى يَجْلِسُوا عَلَيْهَا، وَيَجيءُ أَهْلُ الغُرفِ حَتَّى يَجلِسُوا عَلَى الكُثُبِ، قَالَ: ثمَّ يَتَجَلَّى لَهُمْ رَبُّهُمْ عَزَّ وَجَلًّ، قال: فَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَيَقُولُ: أَنَا الَّذِي صدَقْتكُمْ وَعدِي، وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُم نِعْمَتِي، وهَذَا مَحَلّ كَرَامَتِي فَسَلُونِي، فَيَسأَلُونَهُ الرِّضى. قَالَ: رِضَايَ أنزِلَكُمْ دَارِي، وأَنالَكُمْ كَرَامَتِي، فَسَلُوفِي، فَيَسْأَلُونَهُ الرِّضى. قَالَ: فَشْهَدُ لَهُمْ بِالرِضى، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ، حَتَّى تَنْتَهِيَ رَغْبَتُهمْ، ثمَّ يُفْتَحُ لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ مَا لاَ عَينّ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ: ثمَّ يَرْتَفعُ رَبُّ العِزَّةِ، وَيَرْتَفعُ مَعَهُ النَّبِيُّونَ والشُّهَدَاء، ويَجِيءُ أَهْلُ الغُرَفِ إِلى غُرَفِهِم. قَال: كُلُّ غُرْفَةٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ لا وَصْلَ فِيهَا وَلاَ فَصْمَ، يَاقُوتَة حَمْرَاءُ، وغُرْفَةٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْراء، أَبوابها وعَلاَلِيهَا وسقَائِفُهَا وأَغْلافُها مِنها أنهارُها مُطَّرِدَة متدلِّية فِيهَا أَثْمَارُهَا، فِيها أَزْواجُهَا وخَدَمُها. قال: فلَيْسُوا إِلى شَيء أَحوجَ مِنْهُمْ إِلى يَوْمِ الجُمُعَةِ لِيزْدَادُوا منْ كَرَامَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ والنَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ الكَرِيمِ، فَذلِكَ يَوْمُ المَزِيدِ))([21]).وَلِهَذَا الْحَدِيثِ عِدّةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِي ّ فِي كِتَابِ " الرّؤْيَة ِ " ([22]).


أخوكم
أبو مريم أيمن بن دياب العابديني
غفر الله تعالى له ولوالديه
ــــــــــــ


[1])) ( نقلاً عن شيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ( 1/ 1 ـ 6 ) ) .

([2])( نقلاً عن شيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - " إعلام الموقعين عن رب العالمين " ( 1/ 7 ـ 8 ) ) .



[4])صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (1411)
[5])صحيح : صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح سنن أبي داود" ح (1047) .
[6])متفق عليه: رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (830)، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1397) .
[7])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1400) .
[8])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1400) .
[9])صحيح: رواه الأئمة أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وصححه ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الترغيب والترهيب " ح (690) .
[10])صحيح:رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (834) من حديث سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ t
[11])حسن: حسنه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح (2279) .
([12]حسن:حسنه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الترغيب والترهيب " ح (3761) جزء من حديث أنس t الطويل.
[13])صحيح:صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الترغيب والترهيب " ح (736)من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t
[14])صحيح:صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح (6471)من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t
[15])حسن:حسنه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح سنن أبي داود " ح (343) .
[16])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1454) .
[17])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1452) .
[18])قلت: قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " الثمر المستطاب " ((وأخرج أبو يعلى من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر t( كان يجمر مسجد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلمكل جمعة ) . قال الهيثمي ( 2/11 ) : ( وفيه عبد الله بن عمر العمري : وثقه أحمد وغيره واختلف في الاحتجاج به ) . وقال ابن كثير ـ رحمه الله:( إسناده حسن لا بأس به والله أعلم ) .ورواه ابن أبي شيبة أيضا كما في (المنتخب)(3/261) . قال في ( المرقاة ) ( 1/459 ) بعد أن ذكر حديث عائشة ـ رضي الله عنها:( قال ابن حجر : وبه يعلم أنه يستحب تجمير المسجد بالبخور خلافا لمالك حيث كرهه فقد كان عبد الله بن عمر t يجمر المسجد إذا قعد عمر t على المنبر واستحب بعض السلف بالزعفران والطيب وروي عنه عليه الصلاة والسلام فعله وقال الشعبي : هو سنة . وأخرج ابن أبي شيبة : أن ابن الزبير لما بنى الكعبة طلى حيطانها بالمسك )) .
[19])صحيح: رواه الأئمة أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وصححه ، وصححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الترغيب والترهيب " ح (690) 
[20])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (233) .
[20])صحيح:رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (857) .
[21])متفق عليه:رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (4884)، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1407) .
[22])متفق عليه:رواه الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح (832)، والإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في "صحيحه" ح (1403) .
[23])قلت :الحديث : حسن . قال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الترغيب والترهيب " تحت ح (3761 ) رواه ابن أبي الدنيا والطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما جيد قوي وأبو يعلى مختصرا ورواته رواة الصحيح والبزار واللفظ له.
([24])( نقلاً عن شيخ الإسلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - " زاد المعاد " ( 1/ 363 ـ 365) بتصرف ومن أراد المزيد فليراجعه والأدلة هناك مبسوطة ) .