جديدالموقع

الرؤيا في شريعتنا الغراء / الحلقة الاولي




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد:
فما يزال حديثنا حول الرؤيا في شريعتنا الغراء متصلاً، فنقول وبالله - تعالى - التوفيق:
أولاً: تحذير الشارع من الكذب فيما يرى النائم في نومه: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من تحلَّمْ بِحُلْمٍ لم يَرَهُ كُلِّفَ أن يَعقد بين شعيرتين، ولن يفعل» وفي رواية: «مِن أََفرى الفرى أن يرُي عَيْنَهُ ما لم تَرَ» أخرجه الإمام البخاري (7042-7043). أما الكذب في المنام فقال الإمام الطبري - رحمه الله -: «إنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه إذ قد تكون شهادة في قتل أو حد، أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله - تعالى - أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين لقوله - تعالى -: وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود آية: 18]، وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث «رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبَلِ الله تعالى». [فتح الباري: 12/447]
ثانياً: الرؤيا يعبرها من يحسنها: الرؤيا معلقة على تأويلها فمتى أُوِّلت على وجهها وقعت لقوله - صلى الله عليه وسلم-: (الرؤيا على رجلي طائر، فمتى عُبِّرت وقعت) صحيح: (صححه العلامة الألباني - رحمه الله - الصحيحة 1/239). ومعنى الحديث كما قال ابن بطال - رحمه الله - في شرح البخاري (9/ 560): " قال أبو عبيد وغيره من العلماء: إذا أصاب الأول وجه العبارة، وإلا فهي لمن أصابها بعده، إذ ليس المدار إلا على إصابة الصواب فيما يرى النائم؛ ليوصل بذلك إلى مراد الله - عز وجل - بما ضربه من الأمثال في المنام».
وقال بعضهم: قال أهل التحقيق: (إن حكم الرؤيا لا يتغير بتعبير جاهل عبرها كما أن مسألة في الفقه إذا أجاب بها الجاهل لا يكون لذلك الجواب حكم، فكذلك مسألة الرؤيا). وقال العلامة الألباني - رحمه الله - في الصحيحة (1/239): «الحديث صريح بأن الرؤيا تقع على ما تُعبر ....ولكن مما لا ريب فيه أن ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا، ولو على وجهٍ، وليس خطأً محضاً وإلا فلا تأثير لها حينئذ والله أعلم».
لذا ينبغي للمعبر أن يكون صاحب علم وديانة وحلم وصيانة وكتمان على الناس عوراتهم، ويسمع السؤال بأجمعه من السائل ويميز بين أحوالهم ويتمهل؛ لأن رؤيا الملوك ليست كرؤيا الرعية فلا تقص رؤيا حتى تعلم لمن هي وتفرق بين كل جنس من الناس وما يليق به. [المعلم على حروف المعجم في تعبير الأحلام للعلامة أبي طاهر إبراهيم بن يحيى بن غنام المقدسي الحنبلي صـ70ـ71]
ثالثاً: بيان حال فئام من الناس ضلوا في باب المنامات اتخذوها أصلاً في باب التلقي والاستدلال في الشرعيات: من الأمور المتقررة لدى العلماء أن الأحكام والأوامر والنواهي لا تؤخذ عن طريق الرؤى والمنامات، وأن من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في منامه يأمره بفعل أو ينهاه عن أمرٍ فعليه أن يعرض ذلك على شريعته فما وافقها فهو حق، وما خالفها يردّ والخلل من الرائي.
قال الإمام القرافي - رحمه الله - في الفروق: «إخباره - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط.... فلو قال له عن حلال: إنه حرام، أو عن حرام: إنه حلال، أو عن حكم من أحكام الشريعة، قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رأى في النوم. [ينظر: الفروق (4/245- 246)]
وقال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: «قال أبو زكريا النووي - رحمه الله -: نُقل الاتفاق على أنه لا يُغير بسبب ما يراه النائم ما تقرر في الشرع… ولا يجوز إثبات حكم شرعي به.... " [الآداب الشرعية (3/447)]
وقال العلامة المُعلِّمي اليمان- يرحمه الله -: «اتفق أهل العلم على أنّ الرؤيا لا تصلح للحجة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلح للاستئناس بها إذا وافقت حُجّة شرعية صحيحة». [التنكيل (2/242)]
وبهذا يتبين ضلال أهل البدع من الصوفية الذين يزعمون أنهم رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم- وأنه أمرهم ونهاهم بأمور تخالف الشريعة أو لم تثبت في الشريعة، لأن الرؤى لا يُعول عليها في إثبات الأحكام الشرعية.

خاتمة: ومما تقدم يتبين لنا:
أولاً: أن المنامات ليست من العمل المكتسب، وإنما هي هبة من الله - تعالى -، والواجب على المكلف أن يجتهد في حسن المتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيتبع أوامره، ويجتنب نواهيه، ويؤمن بما جاء به من الأخبار، فإن هذا من مقتضى الشهادة للرسول - صلى الله عليه وسلم - بالرسالة، وأما رؤيته - صلى الله عليه وسلم- في المنام فهذه ليست من الأعمال المكتسبة وإنما هي من الإلهامات، ولا يقدح في إيمان الإنسان ألا يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام، وإنما العيب هو مخالفته للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فعلى المرء أن يجتهد في حسن المتابعة كما جاء في قوله - تعالى – قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران: 31]، وقوله: - جل وعلا – وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر: 7].
ثانياً: تعبير الأحلام ليس مؤكدًا ويقوم على الظن لا القطع ولا يستطيع أحد أن يقطع بالتعبير.
والحمد لله رب العالمين