كتبه
أبو مريم / أيمن بن دياب بن محمود العابديني
غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ ،ولِوَالدَيْهِ ،ولِمَشَايخِهِ ،ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،،
فيا أيها القارئ الكريم اعلم أن أعظم ما تنشرح به الصدور وتطيب، ذكر الله جل وعلا شفاء الصدور ونور البصائر وسكون الفؤاد قال الله تعالى: ﴿أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [ الرعد /28]. إن المحفوظ عن النبي e في ذكر الله تعالى شيء يفوق الحصر فهو أعظم الذاكرين لربه e كان ذاكراً لله جل وعلا مذ أن قال الله له: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ﴾[المدثر/1-3]. ذاكراً لله جل وعلا في قيامه وقعوده في ذهابه وإيابه في سفره وإقامته فهو الذي بلغ الغاية في ذكر الله تعالى في الأولين والآخرين. إلا أن كلمة من هذا المحفوظ تلفت الأنظار وتجذب الأسماع لكثرة ترددها وتكرارها ولوجازة لفظها وعظم معناها إنها كلمة الله أكبر، الله أكبر فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ. فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَكَانَ يَسْتَمِعُ الأَذَانَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلاَّ أَغَارَ فَسَمِعَ رَجُلاً يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« عَلَى الْفِطْرَةِ »)) رواه مسلم ح(382). شهادة من النبي e أن هذه الكلمة كلمة الفطرة. الله أكبر كلمة جامعة لمعاني العبودية دالة على أصول عبادة الله تعالى وفروعها، الله أكبر أصدق كلام وأعذبه وأحلاه، الله أكبر أبلغ لفظ يدل على تعظيم الله تعالى وتمجيده وتقديسه، الله أكبر كلمة جمعت الخير ففيها الشهادة لله تعالى بأنه أكبر من كل شيء وأنه سبحانه أجل من كل شيء وأنه تعالى أعظم من كل شيء.
فعَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ t أن النبي e قَالَ لَهُ حينما دعاه إلى الإسلام: « يَا عَدِىُّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ ؟-أي: ما الذي جعلك تهرب وتفر- أَنْ يُقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ ؟ مَا أَفَرَّكَ ؟ أَنْ يُقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، فَهَلْ شَىْءٌ هُوَ أَكْبَرُ مِنَ اللَّهِ U ؟» صحيح سنن الترمذي ح (2954). بهذا يبين لنا النبي e على ماذا تقوم دعوته، إنها تقوم على إفراد الله تعالى بالعبادة وتعظيمه جل وعلا فالله I أكبر من كل شيء قدراً، وعزة وجلالاً:
(1) من قال الله أكبر كتبت له عشرون حسنة وحطت عنه عشرون سيئة :
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ وَأَبِى هُرَيْرَةَ-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنَ الْكَلاَمِ أَرْبَعاً ((سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ )) فَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ عِشْرِينَ حَسَنَةً أَوْ حَطَّ عَنْهُ عِشْرِينَ سَيِّئَةً وَمَنْ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فَمِثْلُ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَمِثْلُ ذَلِكَ وَمَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كُتِبَتْ لَهُ ثَلاَثُونَ حَسَنَةً وَحُطَّ عَنْهُ ثَلاَثُونَ سَيِّئَةً » صحيح الترغيب والترهيب ح (1554).
قال صاحب فيض القدير (2/266) قوله e:« إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنَ الْكَلاَمِ أَرْبَعاً»: ((فهي مختار الله من جميع كلام الآدميين )).
(2) الله أكبر كلمة تنفض الخطايا:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e أَخَذَ غُصْناً فَنَفَضَهُ فَلَمْ يَنْتَفِضْ ثُمَّ نَفَضَهُ فَلَمْ يَنْتَفِضْ ثُمَّ نَفَضَهُ فَانْتَفَضَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« إِنَّ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ تَنْفُضُ الْخَطَايَا كَمَا تَنْفُضُ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا » وعند الترمذي بلفظ : « لَتُسَاقِطُ مِنْ ذُنُوبِ العَبْدِ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1570).
(3) من قال الله أكبر غرس له شجرة في الجنة :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ:« يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِى تَغْرِسُ ». قُلْتُ غِرَاسًا لِى. قَالَ:« أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا ». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِى الْجَنَّةِ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1549).
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ u لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِى فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّى السَّلاَمَ ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ ، عَذْبَةُ الْمَاءِ ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ ، وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ » الصحيحة ح (105) ، وفي رواية قَالَ e:« إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قِيعَانًا فَأَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا غَرْسُهَا قَالَ: " سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ " » صحيح الترغيب والترهيب ح (1551).
قال العلَّامة ابن عثيمين-رحمه الله-: ((يعني أن الإنسان إذا قالها يغرس له في الجنة غرسا في كل كلمة ومنها أن ذكر الله U من أفضل الأعمال وأوفاها وأحبها إلى الله U بل هو من أسباب الثبات عند اللقاء كما قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[الأنفال: 45] مثل هذه الأحاديث كلها تدل على فضيلة الذكر وأنه ينبغي للإنسان أن يكثر من ذكر الله )) شرح رياض الصالحين ح (1440) .
(4) الله أكبر من أحب الكلام إلى الله :
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e :« أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ » رواه مسلم ح (2137).
قال الإمام الصنعاني-رحمه الله-:(( يعني إنما كانت أحبه إليه تعالى لاشتمالها على تنزيهه وإثبات الحمد له والوحدانية والأكبرية وقوله لا يضرك بأيهن بدأت دل على أنه لا ترتيب بينها ولكن تقديم التنزيه أولى )) سبل السلام (2/217).
(5) الله أكبر من أفضل الكلام:
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e :« أَرْبَعٌ أَفْضَلُ الْكَلَامِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ »صحيح الجامع ح (874).
(6) من ضن بالمال أن ينفقه وهاب العدو أن يجاهده والليل أن يكابده فليكثر من قول " سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ":
عَنْ عَبْدِ اللهِ t، عَنِ النَّبِيِّ e أَنَّهُ قَالَ: « إِنَّ اللهَ قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَخْلَاقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، وَإِنَّ اللهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ، وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الْإِيمَانَ، إِلَّا مَنْ يُحِبُّ فَإِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَعْطَاهُ الْإِيمَانَ فَمَنَ ضَنَّ بِالْمَالِ أَنْ يُنْفِقَهُ وَهَابَ اللَّيْلَ أَنْ يُكَابِدَهُ، وَخَافَ الْعَدُوَّ أَنْ يُجَاهِدَهُ فَلْيُكْثِرْ مِنْ سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1571).
(7) " الله أكبر" من الباقيات الصالحات:
عَنْ الْحَارِث مَوْلَى عُثْمَانَ t يَقُولُ: « جَلَسَ عُثْمَانُ يَوْمًا وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ فَدَعَا بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ أَظُنُّهُ سَيَكُونُ فِيهِ مُدٌّ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَتَوَضَّأُ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ وَمَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى صَلَاةَ الظُّهْرِ غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصُّبْحِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الظُّهْرِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثُمَّ لَعَلَّهُ أَنْ يَبِيتَ يَتَمَرَّغُ لَيْلَتَهُ ثُمَّ إِنْ قَامَ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الصُّبْحَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ " وَهُنَّ الْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ " قَالُوا: هَذِهِ الْحَسَنَاتُ فَمَا الْبَاقِيَاتُ يَا عُثْمَانُ ؟ قَالَ: ( هُنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) » صحيح الترغيب والترهيب ح (366).
(8) الله أكبر تثقل الميزان:
عَنْ أَبِي سَلْمَى t، رَاعِي رَسُولِ اللهِ e قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ e يَقُولُ: « بَخٍ بَخٍ، مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ، وَالْعَبْدُ الصَّالِحُ يُتَوَفَّى لِلْمُسْلِمِ فَيَحْتَسِبُهُ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1557).
(9) الله أكبر جنة من النيران :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ e : «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ عَدُوٍّ قَدْ حَضَرَ؟ قَالَ: « لَا، وَلَكِنْ جُنَّتُكُمْ مِنَ النَّارِ قَوْلُ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ، فَإِنَّهُنَّ يَأْتِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُجَنِّبَاتٍ وَمُعَقِّبَاتٍ، وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1567). قوله e : «خُذُوا جُنَّتَكُمْ» أي وقايتكم من نار جهنم .فيض القدير (3/580).
(10) قول الله أكبر مائة مرة تعدل لك مائة بدنة مقلدة متقبلة:
عَنْ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ-رضي الله عنها- قَالَتْ: « مَرَّ بِي ذَاتَ يَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ e فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَضَعُفْتُ أَوْ كَمَا قَالَتْ فَمُرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ وَأَنَا جَالِسَةٌ قَالَ سَبِّحِي اللَّهَ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ رَقَبَةٍ تُعْتِقِينَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاحْمَدِي اللَّهَ مِائَةَ تَحْمِيدَةٍ تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ فَرَسٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ تَحْمِلِينَ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَبِّرِي اللَّهَ مِائَةَ تَكْبِيرَةٍ فَإِنَّهَا تَعْدِلُ لَكِ مِائَةَ بَدَنَةٍ مُقَلَّدَةٍ مُتَقَبَّلَةٍ» قَالَ ابْنُ خَلَفٍ أَحْسِبُهُ قَالَ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا يُرْفَعُ يَوْمَئِذٍ لِأَحَدٍ عَمَلٌ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ مَا أَتَيْتِ بِهِ .الصحيحة ح (1316).
قُلْتُ: وللتكبير فضائل لا تكاد تحصى ذكرت منها الشئ اليسير تذكيراً بفضلها وعظم أجرها هذا في سائر العام ويزداد هذا الفضل وكذا الأجر في تلكم الأيام التي فضلها الله على أيام العام فعَنِ ابْنِ عُمَرَ t عَنِ النَّبِىِّ e قَالَ: « مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ وَلاَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ » صحيح الترغيب ح (1248). بل فضلها على أيام الدنيا جميعاً عن جابر t أن رسول الله e قَالَ:« أفضل أيام الدنيا العشر»-يعني عشر ذي الحجة-. صحيح الترغيب ح (1150).
ثم إن لها أحكام نذكرها بين يدك أيها القارئ الكريم من باب التذكير:
أولاً: مشروعية التكبير : اتفق الفقهاء على مشروعية التكبير في العيدين في الغدو إلى الصلاة، وفي إدبار الصلوات أيام الحج. أما التكبير في الغدو إلى صلاة العيد: قال الجمهور: يكبر في المنازل والمساجد والأسوق والطرق أي عند الغدو إلى الصلاة جهراً، إلى أن تبدأ الصلاة ، لما فيه من إظهار شعائر الإسلام، وتذكير الغير. أنظر: الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ للزحيلي (2/1406).
لذلك فالتكبير ينقسم إلى قسمين :
(1) مطلق.
(2) مقيد.
فالمطلق: في عيد الأضحى: من أول عشر ذي الحجة إلى آخر يوم من أيام التشريق.
قال الإمام البخاري-رحمه الله- :" كَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِى أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا " الإرواء ح (651).
وعن يزيد بن أبي زياد-رحمه الله- قال:" رأيت سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى ومجاهدًا ـ أو اثنين من هؤلاء الثلاثة ـ ومن رأينا من فقهاء الناس يقولون في أيام العشر: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد"انظر: أحكام العيدين للفريابي(ص 119).
وعن ميمون بن مهران-رحمه الله- قال:" أدركت الناس وإنهم ليكبرون في العشر حتى كنت أشبهه بالأمواج من كثرتها، ويقول: إن الناس قد نقصوا في تركهم التكبير"انظر: فتح الباري لابن رجب (9/9).
والمقيد: في عيد الأضحى: في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق، وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة y .انظر " مجموع الفتاوى " (24/220) ، و"الشرح الممتع" (5/222).
قُلْتُ: وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام , وهي : يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة. وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد لما تقدم .أنظر: مجموع فتاوى ابن باز (13/17).
وقد اختلف العلماء في محل هذا التكبير المقيد، هل هو قبل الاستغفار وقبل «اللهم أنت السلام ومنك السلام»، أو بعدهما ؟
والصحيح بعدهما لأن الاستغفار، وقول: «اللهم أنت السلام» مقدم؛ لأن الاستغفار وقول: «اللهم أنت السلام» ألصق بالصلاة من التكبير، فإنَّ الاستغفار يسنّ عقيب الصلاة مباشرة؛ لأن المصلي لا يتحقق أنه أتقن الصلاة، بل لا بد من خلل، ولا سيما في عصرنا هذا، فالإنسان لا يأتيه الشيطان إلا إذا كبّر للصلاة. أنظر: "الشرح الممتع" (5/219).
ثانياً: حكم التكبير : سَائِرُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ سُنَّةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ . أنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (27/ 250).
ثالثاً: صفة التكبير : قد ثبت عن الصحابة أكثر من صيغة منها أثر ابن مسعود t: " أنه كان يكبر أيام التشريق : « اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ » " صحيح. انظر: الإرواء تحت ح (651).
وأما ما زاده العامة ومتبوعوهم في هذا الزمان على التكبير مما هو مسموع ومعروف، فمخترع لا أصل له، قال الحافظ ابن حجر-رحمه الله-:" وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَانِ زِيَادَةٌ فِي ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهَا" الفتح (2/536).
قُلْتُ: ويرفع الرجال أصواتهم بالتكبير دون النساء فلا يشرع في حقهن الرفع ، مع مراعاة أن يكبر كل شخص بنفسه، مع الابتعاد عن التكبير الجماعي سواء كان في التكبير المطلق أو المقيد .
وأما فعل ابن عمر وأبو هريرة-رضي الله عنهما- أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، فالمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع .
وقد سئلت اللجنة الدائمة (10/315) الفتوى رقم (9887) عن حكم التكبير الجماعي:
فأجابت: التكبير الجماعي بصوت واحد ليس بمشروع بل ذلك بدعة؛ لما ثبت عن النبي e أنه قال: « مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، ولم يفعله السلف الصالح، لا من الصحابة، ولا من التابعين ولا تابعيهم، وهم القدوة، والواجب الإتباع، وعدم الابتداع في الدين . وبالله التوفيق.
وقال العلامة الألباني-رحمه الله-:" ومما يحسن التذكير بهذه المناسبة أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الإجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله الناس" (الصحيحة:1/281).
رابعاً: التكبير في صَلاَةِ الْعِيدِ: صلاة العيد ركعتان، لحديث ابْنِ عُمَرَ t قَالَ:((صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ، وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ e )) (صحيح سنن ابن ماجه) (1/338) ، يُكبِّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال ، فعن عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ:((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ))"صحيح سنن ابن ماجه"(1/407). قَالَ الإمام التّرْمِذِيّ-رحمه الله- :"سَأَلْت مُحَمّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ لَيْسَ فِي الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحّ مِنْ هَذَا وَبِهِ أَقُولُ". زاد المعاد (1/ 444).
وقال الإمام البغوي-رحمه الله- : ((وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي صَلاةِ الْعِيدِ فِي الأُولَى سَبْعًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الافْتِتَاحِ، وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ )) شرح السنة (4/309) ط . المكتب الإسلامي .
ويستحب بين كل تكبيرتين أن يقول:(سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ويصلي على النبي e ) لما ورد عن ابن مسعود t قال: ((بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ حَمْدٌ لِلَّهِ U، وَثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ)) حسنه العلامة الألباني في "القول البديع"، وقال الإمام البيهقي (3/291) (باب يَأْتِى بِدُعَاءِ الاِفْتِتَاحِ عُقَيْبَ تَكْبِيرَةِ الاِفْتِتَاحِ ثُمَّ يَقِفُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ يُهَلِّلَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ e ) عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَأَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ خَرَجَ إِلَيْهِمُ الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ قَبْلَ الْعِيدِ فَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ هَذَا الْعِيدَ قَدْ دَنَا فَكَيْفَ التَّكْبِيرُ فِيهِ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : (( تَبْدَأُ فَتُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً تَفْتَتِحُ بِهَا الصَّلاَةَ وَتَحْمَدُ رَبَّكَ وَتُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ e، ثُمَّ تَدْعُو وَتُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ تُكَبِّرُ وَتَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ...)) وَهَذَا مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَنُتَابِعُهُ فِى الْوُقُوفِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلذِكْرِ إِذْ لَمْ يُرْوَ خِلاَفُهُ عَنْ غَيْرِهِ .
هذا ما تيسر إيراده والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
انتهاء في
6/ من ذي القعدة / 1433هـ
22/ من سبتمبر / 2012م
ه