جديدالموقع

مخالفات يقع فيها الصائمون









كتبه
أبو مريم / أيمن بن دياب بن محمود العابديني
غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ ،ولِوَالدَيْهِ ،ولِمَشَايخِهِ ،ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ
الحمد لله مدبر الليالي والأيام ، ومصرِّف الشهور والأعوام ، الملك القدوس السلام ، المتفرِّد بالعظمة والبقاء والدوام ، شَرَع الشرائع فأحكمها أيما إحكام ، بقدرته تهب الرياح ويسير الغمام ، وبحكمته ورحمته تتعاقب الليالي والأيام ، أحمده على جليل الصفات وجميل الإنعام ، وأشهد أن لا إله إلا الله الذي لا تحيط به العقول والأوهام ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الأنام ، صلى الله عليه وعلى سائر آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على الدوام ، وسلم تسليما .
أَمَّا بَعْدُ،،،
فيا أيها القارئ الكريم اعلم أنه مما لا شك فيه أنَّ العبادة يشترط لقبولها شرطان :
الأول : الإخلاص : وهو أن يبتغي وجه الله لا رياءً ولا سمعةً .
الثاني : المتابعة : أي يقتفي فيه طريقة وهدي النبي -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-، فإذا اختل واحد من هذين الشرطين فإن العمل يكون باطلاً مردوداً على صاحبه كائناً من كان ؛ لما في الصحيحين من حديث عَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ : قَالَ : رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:(( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ )) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([1]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَالْعِبَادَةُ مَبْنَاهَا عَلَى السُّنَّةِ وَالِاتِّبَاعِ لَا عَلَى الْأَهْوَاءِ وَالِابْتِدَاعِ وَإِنَّمَا يُعْبَدُ اللَّهُ بِمَا شَرَعَ لَا يُعْبَدُ بِالْأَهْوَاءِ وَالْبِدَعِ قَالَ تَعَالَى:(( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ))[الشورى آية: (21)]. أهـ (" مجموع الفتاوى " ( 6/210)).
ولا شك أنه مما ينبغي للعبد أن يتفطن له ويحرص عليه هو ما يتقرب به إلى الله من الطاعات هل وافق فيه مراد الله وتابع فيه رسول الله -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-أم لا ؟
ألا وإنَّ مما ابتليت به الأمة في بعض الأمصار جملة من المخالفات التي يقع فيها بعض الصائمين والصائمات في شهر رمضان ، راجين من الله أن ينفع بها القارئ الكريم وإليكموها:
(1)           من المخالفات: استقبال بعض المسلمين لهذا الشهر الكريم بالمبالغة في شراء الأطعمة والمشروبات بكميات هائلة بدلاً من الاستعداد للطاعة والاقتصاد ومشاركة الفقراء والمحتاجين : هذه الظاهرة منتشرة بين كثير من الناس في شهر الصيام الإسراف في المأكولات والمشروبات والمطعومات فترى كثيراً من الناس يضع على موائد الإفطار والسحور ما يكفي الجماعة من الناس فيسرف في الأكل والشرب في إفطاره وسحوره وما بين ذلك حتى يشعر بالامتلاء والضيق بسبب ذلك وهذا الفعل مخالف من عدة وجه :
أولاً: أن هذا الإسراف منهي عنه: قال تعالى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف: 31] ، وقال تعالى:{وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}[الإسراء: 26، 27] ، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا ، فِى غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » صحيح: صحيح سنن النسائي ح (2559).
ثانياً: أن هذا الإسراف يناقض المقصود من الصيام إذ المقصود من الصيام أن يكسر الجوع والظمأ من حدتها فيتذكر حال الأكباد الجائعة من المساكين والمحاويج ويقصد منه أيضاً تضييق مجاري الشياطين من العبد وذلك بتضييق مجاري الطعام والشراب وقد قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِى مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([2]).
ثالثاً: أن الإكثار من المطعومات يفوت على العبد خيرات كثيرة وذلك أنه:« مَا مَلَأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنِهِ » صحيح : انظر: صحيح الجامع ح(5674)، فإن العبد إذا ملأ بطنه عند الإفطار ثقل عن العبادة وكسل عن الطاعة فيفوته عمل الليل ثم إذا جاء السحور أعاد الكرة وملأ جوفه بصنوف الأطعمة فيثقل عن عمل النهار وهكذا دواليك حتى تفوته نفحات هذا الشهر ومواسم الخير.
رابعاً: أن الإكثار من المطعومات فيه أيضاً إشغال للأهل وإرهاق لهم وتفويت لمواسم الخيرات عليهم حيث تذهب أكثر أوقاتهم في إعداد الإفطار والسحور وغيرهما.
خامساً: فيه أيضاً مخالفة لهديه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي كان يقلل من الطعام ويقول: « بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ » الصحيحة ح (2265).
(2)           ومنها : ما يقع في السحور: من بعض الصائمين ، وهم فيه بين إفراط وتفريط :
أما الإفراط: فتعجيل السحور: وهذا مخالف للهدي وهو التأخير قَالَ رَسُولُ الله-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- : «  بكروا بالإفطار و أخروا السحور » الصحيحة ح (1773)، وَقَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:« إِنَّا مَعْشَرَ الأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إِفْطَارَنَا ، وَأَنْ نُؤَخِّرَ سَحُورَنَا ، وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلاَةِ » ، وفي رواية :« ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ: تَعْجِيلُ الإِفْطَارِ ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ ، وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِى الصَّلاَةِ » صحيح: انظر: صحيح الجامع ح(2286) ، ح ( 3038).
وأما التفريط: فترك السحور : وهذا أيضا مخالف للهدي المترتب عليه الأجر والمثوبة قَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- : « تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِى السُّحُورِ بَرَكَةً » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- :« إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتُهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ » الصحيحة ح (3409) ، بل جعله-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-شعارا للأمة في مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ : قَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- :« فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ » رواه مسلم ح (2604).
(3)           ومنها :  تأخير الإفطار حتى يتشهد المؤذن أو ينتهي من الآذان أو حتى تُرى النجوم : وهذا مخالف لهدي النبي -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- في الأمر بالإسراع بالفطر قَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم- :« لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-: « لَا تَزَال أُمَّتِي عَلَى سُنَّتِي مَا لَمْ تَنْتَظِرْ بِفِطْرِهَا النُّجُومَ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1074) ، وَقَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:« لاَ يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ » صحيح الترغيب والترهيب ح (1075).
(4)           ومنها : عدم تبييت نية الصيام من الليل : بعض الصائمين لا يبيت النية للصيام ، فإذا علم الصائم بدخول شهر رمضان وجب عليه تبييت نيته بالصيام. فقد ورد عنه -صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:« مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلاَ صِيَامَ لَهُ » صحيح: انظر: صحيح الجامع ح(6535)، وقوله-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:« مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ » صحيح: انظر: صحيح الجامع ح(6534)، قال الإمام الشوكاني- رَحِمَهُ اللَّهُ -:(( الْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ وَإِيقَاعِهَا فِي جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ، وَقَدْ ذَهَبَ إلَى ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ يَزِيدَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ )) نيل الأوطار (7/30)، وقال الإمام الصنعاني- رَحِمَهُ اللَّهُ -: (( وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ عُمُومُ حَدِيثِ التَّبْيِيتِ وَعَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَلَمْ يَقُمْ مَا يَرْفَعُ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ فَتَعَيَّنَ الْبَقَاءُ عَلَيْهِمَا )) سبل السلام (3/308) .
(5)           ومنها : التلفظ بالنية : وهذا خطأ، بل يكفي أن يبيت النية في نفسه : قَالَ-صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم-:« إنّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِىءٍ مَا نَوَى» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([3])، قَالَ شَيْخ الْإِسْلَام اِبْن تَيْمِيَة -رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( وَالتَّكَلُّمُ بِالنِّيَّةِ لَيْسَ وَاجِبًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ ، فَعَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا يَصُومُونَ بِالنِّيَّةِ ، وَصَوْمُهُمْ صَحِيحٌ بِلَا نِزَاعٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ  ((أهـ (" مجموع الفتاوى " ( 25/214))، وقال العلَّامة الألباني-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( واعلم أنه لا يشرع التلفظ بالنية لا في الإحرام ولا في غيره من العبادات كالطهارة والصلاة والصيام وغيرها وإنما النية بالقلب فقط وأما التلفظ بها فبدعة ... فيتوقف عند هذا ولا يزاد عليه كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية )) أنظر: حجة النبي (ص: 48).
(6)           ومنها : تعمد الشرب أثناء أذان الفجر : وبهذا الفعل قد أفسد صومه خاصةً إذا كان المؤذن دقيقاً في توقيته للأذان. قال العلَّامة ابن عثيمين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الأذان لصلاة الفجر إما أن يكون بعد طلوع الفجر أو قبله ، فإن كان بعد طلوع الفجر فإنه يجب على الإنسان أن يمسك بمجرد سماع النداء ، فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([4])، فإذا كنت تعلم أن هذا المؤذن لا يؤذن إلا إذا طلع الفجر فأمسك بمجرد أذانه . "فتاوى رمضان" (ص 204).
(7)           ومنها : الإمساك قبل طلوع الفجر الصادق احتياطا : وذلك إما بأذكار معينة أو بما يسمى بمدفع الإمساك أو بجعل توقيت للإمساك قبل طلوع الفجر الصادق وهذا كله مخالف لأن الله تعالى أباح للصائم أن يأكل ويشرب حتى يتبين طلوع الفجر . قال الله تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}[البقرة: 187] ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وعَائِشَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- أَنَّ بِلالا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- : « كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ ، فَإِنَّهُ لا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، قال الحافظ ابن حجر-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( مِنْ الْبِدَع الْمُنْكَرَة مَا أُحْدِثَ فِي هَذَا الزَّمَان مِنْ إِيقَاع الْأَذَان الثَّانِي قَبْل الْفَجْر بِنَحْوِ ثُلُثِ سَاعَةٍ فِي رَمَضَان ، وَإِطْفَاء الْمَصَابِيح الَّتِي جُعِلَتْ عَلَامَةً لِتَحْرِيمِ الْأَكْل وَالشُّرْب عَلَى مَنْ يُرِيد الصِّيَام زَعْمًا مِمَّنْ أَحْدَثَهُ أَنَّهُ لِلِاحْتِيَاطِ فِي الْعِبَادَة وَلَا يَعْلَم بِذَلِكَ إِلَّا آحَاد النَّاس ، وَقَدْ جَرَّهُمْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ صَارُوا لَا يُؤَذِّنُونَ إِلَّا بَعْد الْغُرُوب بِدَرَجَةٍ لِتَمْكِينِ الْوَقْت زَعَمُوا فَأَخَّرُوا الْفِطْر وَعَجَّلُوا السُّحُور وَخَالَفُوا السُّنَّةَ ، فَلِذَلِكَ قَلَّ عَنْهُمْ الْخَيْر كَثِيرٌ فِيهِمْ الشَّرُّ ، وَاَللَّهُ الْمُسْتَعَانُ )) أنظر: "الفتح" (4/199) ، وسئل العلَّامة ابن عثيمين-رَحِمَهُ اللَّهُ- عما يوجد في بعض التقاويم من تحديد وقت للإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة فقال : (( هذا من البدع ، وليس له أصل من السنة ، بل السنة على خلافه )) "فتاوى رمضان" (ص 204).
(8)           ومنها : ما يفعله بعض الناس من ترك الشارب أو الآكل في نهار رمضان ناسياً يأكل ويشرب حتى يفرغ من حاجته : قال العلَّامة ابن باز-رَحِمَهُ اللَّهُ-: (( من رأى مسلماً يشرب في نهار رمضان ، أو يأكل ، أو يتعاطى شيئاً من المفطرات الأخرى ، وجب الإنكار عليه - قُلْتُ: حسب القدرة والاستطاعة- ؛ لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ولو كان صاحبه معذوراً في نفس الأمر ، حتى لا يجترئ الناس على إظهار محارم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان )) أنظر: مجموع فتاويه (15/256).
(9)           ومنها : تحرج بعض الناس إذا أكل أو شرب ناسياً ويشك في صحة صيامه: وقد قال تعالى:{ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا }[البقرة:286] ، وهذه آية أقرها الله عز وجل هي دعاء من المؤمنين لكن أقرها الله وأعطاهم دعاءهم ، قال: قد فعلت ، وفيه حديث في نفس المسألة قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :« إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ ، فَأكَلَ ، أَوْ شَرِبَ ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ ، فَإنَّمَا أطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([5])، إذاً كل من أكل أو شرب وهو صائم ناسياً أو جاهلاً ليس عليه شيء للآية، ولقوله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعليه أن يتم صوم يومه. إذاً نأخذ قاعدة: من فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو جاهلاً فصيامه صحيح أياً كان ، حتى لو أن الرجل -مثلاً- كان معه أهله وظن أن الفجر لم يطلع فجامع أهله ثم تبين أنه قد طلع فليس عليه شيء لا قضاء ، ولا كفارة ، ولا إثم ، هذا ما يتعلق بالصوم .أنظر: الباب المفتوح لابن عثيمين (147).
(10)     ومنها : اعتقاد البعض تحريم معاشرة النساء في ليل رمضان : وهذا خطأ فالتحريم يكون في النهار أما في الليل فحلال ، قال تعالى:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ } [البقرة: 187] ، الرفث : هو الجماع ومقدماته . ففي هذه الآية الكريمة أباح الله للصائم في ليل الصيام كل ما يمنع منه في النهار من الطعام والشراب والجماع وسائر المباحات والاستعانة بذلك على طاعة الله سبحانه وتعالى . وترك المباح وحرمان النفس منه تعبدًا يعتبر من الغلو سواء في رمضان أو في غيره .
(11)     ومنها : تحرج البعض من استعمال السواك في نهار رمضان : بعض الصائمين والصائمات يتحرج من استعمال السواك في نهار رمضان ولربما ظن البعض أن استعمال السواك في نهار رمضان يفطر، وهذا خطأ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِى - أَوْ عَلَى النَّاسِ - لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([6]). قال الإمام البخاري -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ( وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ ).
(12)     ومنها : امتناع بعض النساء عن الصيام إذا طهرت قبل الفجر ولن تتمكن من الغسل لضيق الوقت ، فإنها تمتنع عن الصيام بحجة أن الصبح أدركها وهي لم تغتسل من عادتها : وهذا خطأ ، الحائض إذا طهرت قبل الفجر ولو بزمن قليل تصوم ذلك اليوم وتغتسل ولو بعد طلوع الفجر ، وتأخير الاغتسال إلى ما بعد طلوع الفجر لا يؤثر على الصيام ، إذ الطهارة ليست شرطا في صحة الصوم ، لكن يلزمها الغسل لأداء الصلاة في وقتها . أنظر:" فتاوى اللجنة " الفتوى رقم (6288).
(13)     ومنها : تحرج بعض الناس عندما يصبح جنباً فيظن أن صومه باطل وعليه القضاء : وهذا خطأ ، والصحيح أن صومه صحيح وليس عليه قضاء سواء كانت الجنابة مِنْ جِمَاعٍ، أو مِنْ حُلُمٍ ، فقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ ، وَلَا يَقْضِي . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([7])، ولو احتلم وهو نائم في نهار رمضان كذلك. قال العلَّامة ابن باز-رَحِمَهُ اللَّهُ-: الاحتلام لا يبطل الصوم ؛ لأنه ليس باختيار الصائم ، وعليه أن يغتسل غسل الجنابة إذا رأى الماء وهو المني . ولو احتلم بعد صلاة الفجر وأخر الغسل إلى وقت صلاة الظهر فلا بأس . وهكذا لو جامع أهله في الليل ولم يغتسل إلا بعد طلوع الفجر لم يكن عليه حرج في ذلك . أنظر: س 88" مجموع الفتاوى " (15/277).
(14)     ومنها : تحرج بعض المرضى من الإفطار والإصرار مع وجود المشقة : وهذا خطأ فالحق سبحانه وتعالى قد رفع الحرج عن المريض ورخص له بالفطر ، والقضاء بعد ذلك ، قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة: 185] والمريض على قسمين:
أحدهما: من كان مرضه لازماً مستمراَ لا يرجى زواله كالسرطان فلا يلزمه الصوم ؛ ولكن يطعم عن صيام كل يوم مسكيناً.
الثاني: من كان مرضه طارئاً غير ميؤوس من زواله كالحمى وشبهها وله ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره ، فيجب عليه الصوم .
الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم ، ولا يضره ، فيكره له الصوم .
الحال الثالثة: أن يضره الصوم ، فيحرم عليه الصوم لقوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء: 29] ، ومتى أفطر المريض في هذا القسم فإنه يقضي عدد الأيام التي أفطرها إذا عوفي ، فإن مات قبل معافاته سقط عنه القضاء ؛ لأن فرضه أن يصوم عدة من أيام أخر ولم يدركها. أنظر: فتاوى ابن عثيمين (20/69).
(15)     ومنها : أن هناك من يعيب على المسافر الفطر : وهذا خطأ ، فإن للمسافر في رمضان الفطر أو الصوم ، وهذا على حسب حالته ، وحالة المسافر لا تخرج عن ثلاثة:
الحال الأولى: أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة ، فيحرم عليه أن يصوم ؛ لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«كان في غزوة الفتح صائماً فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينظرون فيما فعل فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشربه ، والناس ينظرون ، فقيل له: إن بعض الناس قد صاموا ، فقال : « أُولَئِكَ الْعُصَاةُ ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ » رواه مسلم ح (2666).
الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة غير شديدة ، فيكره له الصوم لما فيه من العدول عن رخصة الله تعالى ، مع الإشقاق على نفسه.
الحال الثالثة: أن لا يشق عليه الصوم فيفعل الأيسر عليه من الصوم والفطر، لقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } والإرادة هنا بمعنى المحبة، فإن تساويا فالصوم أفضل ؛ لأنه فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: « خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  فِى شَهْرِ رَمَضَانَ فِى حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-  وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، والمسافر على سفر من حين يخرج من بلده حتى يرجع إليها ، ولو أقام في البلد التي سافر إليها مدة فهو على سفر مادام على نية أنه لن يقيم فيها بعد انتهاء غرضه الذي سافر إليها من أجله ، فيترخص برخص السفر، ولو طالت مدة إقامته . أنظر: فتاوى ابن عثيمين (20/70).

(16)     ومنها : غفلة بعض الصائمين عن الدعاء لمن قام ، بإفطارهم : فمن السنة إذا أفطر الصائم عند قوم أن يدعو لهم بما دعا به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين يفطر عند قوم : « أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأَبْرَارُ ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلاَئِكَةُ » صحيح الجامع ح (1137) ، أو يقول:« اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِى وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِى » رواه مسلم ح (5483) ، أو يقول:« اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِيمَا رَزَقْتَهُمْ ، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ » رواه مسلم ح (2042).
(17)     ومنها : غفلة بعض الصائمين عن الدعاء عند الإفطار : فمن السنة الدعاء عند الإفطار لما في ذلك من الفضل العظيم والصائم من الذين لا ترد دعوتهم. لقوله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ » الصحيحة ح (1797) ، ومن الأدعية الواردة الصحيحة ما كان يقوله عند الإفطار-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « ذَهَبَ الظَّمَأُ ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ ، وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ » صحيح الجامع ح (4678).

(18)     ومنها : انشغال بعض الصائمين بالإفطار عن متابعة أذان المغرب :  وهذا خطأ فإنه يسن للصائم وغيره أن يتابع المؤذن ويقول مثل قوله ، فَعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:« إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([8])، ويكون متابعة المؤذن مع مواصلة الإفطار وعدم الانقطاع لعدم ورود النهي عن الأكل حال متابعة المؤذن وترديد الأذان والله أعلم.

(19)     ومنها : تحرج بعض المرضى من استعمال بخاخة الربو ، أو من وضع قطرة العين ، أو مرهم ، أو قطرة الأذن ، أو وضع الحناء على الرأس ، أو الاكتحال ، أو أخذ الأبر بحجة أن كل هذا يفسد الصوم :
والصحيح: أن كل هذا لا يفطر به الصائم وهو ومن المباحات أثناء الصيام في أصح قولي العلماء عدا الأبر المغذية- لأنه يستغنى بها عن الأكل والشرب فهي بمعنى الأكل والشرب عند أكثر أهل العلم- وكذا قطرة الأنف التي تصل إلي المعدة أما التي لا تصل فلا تفطر.  أنظر: فتاوى ابن عثيمين (15/150 ـ 162).

­­­­­­­
(20)     ومنها : انشغال بعض الصائمين والصائمات في العشر الأواخر من رمضان في شراء الملابس والحلوى وتضييع أوقات فاضلة فيها ليلة القدر التي قال الله تعالى عنها: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر: 3] ومما يتبع انشغالهم عن القيام والتهجد من السهر في الأسواق الساعات الطويلة في التجول والشراء ، وهذا أمر مؤسف يقع فيه الكثير من المسلمين ، والواجب عليهم إتباع سنة نبيهم أنه إذا دخل العشر الأواخر شَدَّ مِئْزَرَهُ ، وَأَحْيَا لَيْلَهُ ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([9])، هكذا كان دأب النبي وصحابته رضي الله عنهم أجمعين.
هذا ما تيسر لي إيراده من بعض المخالفات وهي كثيرة ولعل هذه أشهرها والله الموفق وهو الهادي إلي سواء السبيل .
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ


[1])) أخرجه الإمام البخاري ح ( 2499) ، والإمام مسلم ح ( 3242 ).
[2])) أخرجه : البخاري 3/64 ( 2035 ) ، ومسلم 7/8 ( 2175 ) ( 24 ) .
[3])) أخرجه : البخاري 1/2 ( 1 ) ، ومسلم 6/48 ( 1907 ) .
[4])) أخرجه :  البخاري ح(1919) ومسلم ح(1092) .
[5])) أخرجه : البخاري 3/40 (1933) ،ومسلم 3/160 (1155) (171) .
[6])) أخرجه : البخاري 2/5 (887) ، ومسلم 1/151 (252) (42) .

[7])) أخرجه: البخاري 3/38 (1925) و(1926)، ومسلم 3/137(1109) (76) من حديث عائشة وأم سلمة-رضي الله عنهن.

[8])) أخرجه : البخاري 1/159 ( 611 ) ، ومسلم 2/4 ( 383 ) ( 10 ) .
[9])) أخرجه : البخاري 3/61 ( 2024 ) ، ومسلم 3/175 ( 1174 ) ( 7 ) .