جديدالموقع

هؤلاء لا يحبهم الله عزَّ وجلَّ






كتبه
أبو مريم أيمن بن دياب بن محمود العابديني
غفر الله له ولوالديه


بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،،
     فيا أيها القارئ الكريم اعلم أن مذهب أهل السنة والجماعة إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله e من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل، بل يؤمنون بأن الله I :} لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ {، فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه، متبعين في ذلك كتاب الله والسنة وما ورد عن سلف الأمة، ثم هم ينكرون على من حرَّف صفات الله أو مثَّل الله بخلقه، لأن ذلك تعدٍّ على النصوص وقول على الله بلا علم، إذ الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، فكما أنه Uلم يخبرنا عن كيفية ذاته، فكذلك لا نعلم كيفية صفاته، لكننا نثبتها كما يليق بجلاله وعظمته.
      قَالَ الإمام نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ-رحمه الله- شَيْخُ الْبُخَارِيِّ : (( مَنْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ جَحَدَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ  فَقَدْ كَفَرَ، وَلَيْسَ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ نَفْسَهُ وَلَا مَا وَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ تَشْبِيهًا )) انظر: شرح الطحاوية.
     وقال العلاَّمة خليل الهرَّاس-رحمه الله- في ((شرحه للواسطية)) (ص 108) تعليقاً على بعض الآيات التي أوردها شيخ الإسلام-رحمه الله- فيها بعض صفات الله U الفعلية :(( تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ إِثْبَاتَ بَعْضِ صِفَاتِ الْفِعْلِ مِنَ الرِّضَى لِلَّهِ، وَالْغَضَبِ، وَاللَّعْنِ، وَالْكُرْهِ، وَالسَّخَطِ، وَالْمَقْتِ، وَالْأَسَفِ.
     وَهِيَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ U، عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ)).
     لذا فالكراهة من الله لمن يستحقها ثابتة بالكتاب، والسنة، وإجماع سلف الأمة، أن الله تعالى يكره، وهي كراهة حقيقية من الله تليق به Y. ولا يلزم عليها أي لازم باطل؛ بل هي صفات كمال؛ لأن من كمال الشيء أن يغضب إذا جاء موجب الغضب، وأن يسخط إذا جاء موجب يعني سبب السخط وأن يكره إذا جاء موجب الكره والسخط.
     وكراهة الله I للشيء تكون للعمل: كما في قوله: )وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ ([التوبة/46]، وكما في قوله: ) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ( [الإسراء/38].
وتكون أيضاً للعامل: لقوله e: « إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّى أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ - قَالَ - فَيُبْغِضُهُ »رواه مسلم.انظر: مجموع فتاوى العثيمين بتصرف.
هؤلاء لا يحبهم الله U :
     أثبت الله تبارك وتعالى بغضه، وكرهه لمن اتصف من خلقه ببعض الصفات، وهذه الصفات منها ما ورد في القرآن الكريم ومنها ما ورد في السنة المطهرة:
أولاً: في القرآن:
(1) الْمُعْتَدُون: قال تعالى: )وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ([البقرة/190]، الجملة هنا تعليل للحكم؛ والحكم: النهي عن الاعتداء : أي مجاوزة لما شرعه الله في كل أمر من الأمور.
منها: تحريم الاعتداء حتى على الكفار؛ لقوله تعالى:{وَلاَ تَعْتَدُوا}؛ وعلى المسلمين من باب أولى؛ ولهذا قال e لمن يبعثهم، كالسرايا والجيوش:« اغْزُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تَمْثُلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا »رواه مسلم؛ لأن هذا من العدوان.
ومنها: إثبات محبة الله - أي أن الله يحب -؛ لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ}؛ وجه الدلالة: أنه لو كان لا يحب أبداً ما صح أن ينفي محبته عن المعتدين فقط؛ فما انتفت محبته عن هؤلاء إلا وهي ثابتة في حق غيرهم.انظر: تفسير البقرة لابن عثيمين.
(2) الْمُفّسِدُوُن: قال تعالى: )وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ( [البقرة/205]، بيان أن العمل هذا مكروه إلى الله؛ لأن الله لا يحب الفساد؛ وإذا كان لا يحب هذا الفعل فإنه لا يحب من اتصف به؛ ولهذا جاء في آية أخرى؛{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ المُفْسِدِينَ}[المائدة:64]؛ فالله لا يحب الفساد، ولا يحب المفسدين؛ فالفساد نفسه مكروه إلى الله؛ والمفسدون أيضاً مَكروهون إليه لا يحبهم.
ومنها: إثبات محبة الله U للصلاح؛ لقوله تعالى:{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}؛فإن قيل: هذا نفي، وليس بإثبات؛ قلنا: إن نفيه محبة الفساد دليل على ثبوت أصل المحبة؛ ولو كان لا يحب أبداً لم يكن هناك فرق بين الفساد، والصلاح؛ فلما نفى المحبة عن الفساد علم أنه يحب الصلاح. انظر: تفسير البقرة لابن عثيمين.
ومنها: التحذير من الفساد في الأرض؛ لقوله تعالى:{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ}؛ والآية بعمومها تعم كل فساد كان في أرض أو مال أو دين، قال الإمام الشوكاني –رحمه الله-: (( إذا تقرر لك ما قررناه، من عموم الآية ومن معنى المحاربة والسعي في الأرض فساداً، فاعلم أن ذلك يصدق على كل من وقع منه ذلك، سواء كان مسلماً أو كافراً، في مصر وغير مصر، في كل قليل وكثير، وجليل وحقير، وأن حكم الله في ذلك هو ما ورد في هذه الآية)) فتح القدير (2/300) بتصرف. ومعلوم أن كل إنسان يجب أن يكون حذراً من التعرض لأمر لا يحبه الله.

(3) الكفَّارُ الأثيم: قال تعالى:) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ([البقرة/276]، أي: لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل، وإذا نفى الله تعالى المحبة فالمراد إثبات ضدها - وهي الكراهة؛ و« الكَفّار » كثير الكفر، أو عظيم الكفر؛ و« الأثيم » بمعنى الآثم، كالسميع بمعنى السامع، والبصير بمعنى الباصر، وما أشبه ذلك.
ومنها: إثبات المحبة لله U؛ لقوله تعالى:{وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ}؛ ووجه الدلالة أن نفي المحبة عن الموصوف بالكفر، والإثم يدل على إثباتها لمن لم يتصف بذلك - أي لمن كان مؤمناً مطيعاً؛ ولولا ذلك لكان نفي المحبة عن « الكفار الأثيم » لغواً من القول لا فائدة منه؛ ولهذا استدل الإمام الشافعي - رحمه الله - بقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين/15]، على أن الأبرار يرون الله U؛ لأنه لما حجب الفجار عن رؤيته في حال الغضب دل على ثبوتها للأبرار في حال الرضا؛ وهذا استدلال خفي جيد. انظر: تفسير البقرة لابن عثيمين.
(4) الْكَافِرُون: قال تعالى:) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ([آل عمران/32]. قال الحافظ ابن كثير-رحمه الله-:(( فدل على أن مخالفته e في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه يحب الله ويتقرب إليه، حتى يتابع الرسول النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس الذي لو كان الأنبياء -بل المرسلون، بل أولو العزم منهم-في زمانه لما وسعهم إلا إتباعه، والدخول في طاعته، وإتباع شريعته)) انظر: تفسير ابن كثير.
     وقال العلاَّمة السعدي -رحمه الله-: ((أي: أعرضوا عن طاعة الله ورسوله فليس ثم أمر يرجعون إليه إلا الكفر وطاعة كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ { كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ } فلهذا قال:{ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم أشد العقوبة، وكأن في هذه الآية الكريمة بيانا وتفسيرا لإتباع رسوله، وأن ذلك بطاعة الله وطاعة رسوله، هذا هو الإتباع الحقيقي)) انظر: تفسير السعدي.
(5) الظَّالِمُون: قال تعالى:) وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ([آل عمران/57]. يعني: والله لا يحبُّ من ظلم غيرَه حقًا له، أو وضع شيئًا في غير موضعه. فنفى جل ثناؤه عن نفسه بذلك أن يظلم عبادَه، فيجازي المسيءَ ممن كفر جزاءَ المحسنين ممن آمن به، أو يجازي المحسنَ ممن آمن به واتبعَ أمره وانتهى عما نهاه عنه فأطاعه، جزاءَ المسيئين ممن كفر به وكذّب رسله وخالف أمره ونهيه. فقال: إني لا أحبّ الظالمين، فكيف أظلم خلقي؟ انظر: تفسير الطبري.
قلت: واعلم أن الظلم هو النقص، قال الله تعالى:{كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً} [الكهف/33]، يعني لم تنقص منه شيئاً، والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان، وإما بالتفريط فيما يجب عليه . وحينئذٍ يدور الظلم على هذين الأمرين، إما ترك واجب ، وإما فعل محرم.
والظلم نوعان: ظلم يتعلق بحق الله U، وظلم يتعلق بحق العباد، فأعظم الظلم هو المتعلق بحق الله تعالى والإشراك به، فإن النبي e سُئِلَ: أَىُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ فقال :" أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ"متفق عليه. ويليه الظلم في الكبائر، ثم الظلم في الصغائر.
أما في حقوق عباد الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء، بينها النبي e في خطبة حجة الوداع، فقال: " إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا " متفق عليه.
الظلم في النفس هو الظلم في الدماء، بأن يعتدي الإنسان على غيره، بسفك الدماء أو الجروح أو ما أشبه ذلك، والظلم في الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره في الأموال، إما بعدم بذل الواجب، وإما بإتيان محرم، وإما بأن يمتنع من واجب عليه، وإما بأن يفعل شيئاً محرماً في مال غيره.
وأما الظلم في الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنا، واللواط، والقذف، وما أشبه ذلك.
وكل الظلم بأنواعه محرم، ولن يجد الظالم من ينصره أمام الله - تعالى- قال الله تعالى:{ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}[غافر/18]، أي أنه يوم القيامة لا يجد الظالم حميماً أي صديقاً ينجيه من عذاب الله، ولا يجد شفيعاً يشفع له فيُطاع؛ لأنه منبوذ بظلمه وغشمه وعدوانه، فالظالم لن يجد من ينصره يوم القيامة، وقال تعالى:{ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[البقرة/270]، يعني لا يجدون انصاراً ينصرونهم ويخرجونهم من عذاب الله I في ذلك اليوم. انظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين.
(6) الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ: قال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا([النساء/36]. أي: مختالاً في نفسه، في هيئته، والفخور بلسانه وقوله، فهو بهيئته مختال؛ في ثيابه، في ملابسه، في مظهره، في مشيته، قَالَ eبَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِى قَدْ أَعْجَبَتْهُ جُمَّتُهُ، وَبُرْدَاهُ إِذْ خُسِفَ بِهِ الأَرْضُ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِى الأَرْضِ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ »متفق عليه، فخور بقوله ولسانه، معجباً متكبراً، فخوراً على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض، فنفى سبحانه محبته ورضاه عمن هذه صفته، أي لا يظهر عليه آثار نعمه في الآخرة. والله تعالى لا يحب هذا، إنما يحب المتواضع الغني الخفي التقي، هذا هو الذي يحبه الله U. انظر: تفسير ابن كثير بتصرف.
 (7) الخَوَّانُ الأَثِيم: قال تعالى:) إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا([النساء/107]. أي: كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البُغْض، فالله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم، وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه . انظر: تفسير الطبري بتصرف.
 (8) الجَهْرُ بالسوء: قال تعالى:) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا([النساء/148]. عن ابن عباس t يقول:{لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِلا يحب الله أن يدعو أحد على أحد، إلا أن يكون مظلوما، فإنه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله:{إِلا مَنْ ظُلِمَ} وإن صبر فهو خير له.
وعن الحسن-رحمه الله- قال: هو الرجل يظلم الرجل فلا يدْعُ عليه، ولكن ليقل:" اللهم أعنِّي عليه، اللهم استخرج لي حقي، اللهم حُلْ بينه وبين ما يريد "،ونحوه من الدعاء. وفي رواية عنه قال: قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه من غير أن يعتدي عليه.
وعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:(سُرِقَتْ مِلْحَفَةٌ لَهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَنْ سَرَقَهَا فَجَعَلَ النَّبِيُّ e يَقُولُ:" لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ")صحيح الترغيب والترهيب.
قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد-رحمه الله-:" لَا تُسَبِّخِي أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ " (ومعنى لا تسبخي عنه أي لا تخففي عنه العقوبة وتنقصي أجرك في الآخرة بدعائك عليه) سنن أبي داود برقم (4909).
وقال عبد الكريم بن مالك الجَزَريّ -رحمه الله- في هذه الآية:هو الرجل يشتمك فتشتمه، ولكن إن افترى عليك فلا تفتر عليه؛ لقوله:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ}[الشورى/41].
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ :« الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالاَ فَعَلَى الْبَادِئِ مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ » رواه مسلم. انظر: تفسير الطبري، وابن كثير.
وقال العلامة السعدي-رحمه الله-: يخبر تعالى أنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، أي: يبغض ذلك ويمقته ويعاقب عليه، ويشمل ذلك جميع الأقوال السيئة التي تسوء وتحزن، كالشتم والقذف والسب ونحو ذلك فإن ذلك كله من المنهي عنه الذي يبغضه الله. ويدل مفهومها أنه يحب الحسن من القول كالذكر والكلام الطيب اللين. وقوله:{إِلا مَن ظُلِمَ} أي: فإنه يجوز له أن يدعو على من ظلمه ويتشكى منه، ويجهر بالسوء لمن جهر له به، من غير أن يكذب عليه ولا يزيد على مظلمته، ولا يتعدى بشتمه غير ظالمه، ومع ذلك فعفوه وعدم مقابلته أولى. انظر: تفسير السعدي.
(9) المُسّرِفُوُن: قال تعالى:) وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ( [الأنعام/141]. وأصل الإسراف في اللغة : الخطأ . والإسراف في النفقة : التبذير.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-: اختار ابن جرير قول عطاء-رحمه الله-: إنه نَهْيٌ عن الإسراف في كل شيء. ولا شك أنه صحيح، لكن الظاهر - والله أعلم- من سياق الآية حيث قال تعالى:{كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا [إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ]}أن يكون عائدًا على الأكل، أي: ولا تسرفوا في الأكل لما فيه من مضرة العقل والبدن، كما قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا [إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ]}[الأعراف/31]، وفي صحيح البخاري تعليقًا:" كُلُوا وَاشْرَبُوا وَالْبَسُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ " وهذا من هذا، والله أعلم. انظر: تفسير ابن كثير، وفتح القدير للشوكاني.
وقال العلاَّمة السعدي-رحمه الله-: يعم النهي عن الإسراف في الأكل، وهو مجاوزة الحد والعادة، هذا من الإسراف الذي نهى الله عنه، الذي لا يحبه الله بل يبغضه ويمقت عليه.انظر: تفسير السعدي.
(10) الخَاَئِنُوُن: قال تعالى: ) إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ([الأنفال/58]، يعني الناقضين للعهد. حتى ولو في حق الكافرين، لا يحبها أيضًا فإذا حصلت الخيانةُ زال سَمَتُ الأمانة، وخيانةُ كلِّ أحدٍ على ما يليق بحاله، ومَنْ ضَنَّ بميسورٍ له فقد خانَ في عهده، وزاغ عن جده، وعقوبته مُعَجَّلة، فهو لا يحبُّه الله، وتكون عقوبته بإذلاله وإهانته.انظر: تفسير القشيري.
(11) المُسّتَكْبِرُوُن: قال تعالى:) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ([النحل/23]، قال العلامة السعدي-رحمه الله-: بل يبغضهم أشد البغض، وسيجازيهم من جنس عملهم{ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر/60]. انظر: تفسير السعدي.
والكبر : هو الترفع واعتقاد الإنسان نفسه أنه كبير، وأنه فوق الناس، وأن له فضلاً عليهم.
والكبر نوعان: كبر على الحق، وكبر على الخلق، وقد بيّنهما النبي e في قوله: ((الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ)) رواه مسلم. فبطر الحق يعني رده والإعراض عنه، وعدم قبوله، وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم وألا يرى الناس شيئاً، ويرى أنه فوقهم.
وقيل لرجل: ماذا ترى الناس؟ قال لا أراهم إلا مثل البعوض، فقيل له: إنهم لا يرونك إلا كذلك.
وقيل لآخر: ما ترى الناس؟ قال: أرى الناس أعظم مني، ولهم شأن، ولهم منزلة، فقيل له: إنهم يرونك أعظم منهم، وأن لك شأناً ومحلاً.
فأنت إذا رأيت الناس على أي وجه؛ فالناس يرونك بمثل ما تراهم به.
أما بطر الحق: فهو ردّه، وألا يقبل الإنسان الحق بل يرفضه ويرده اعتداداً بنفسه ورأيه، فيرى والعياذ بالله أنه أكبر من الحق، وعلامة ذلك أن الإنسان يؤتى إليه بالأدلة من الكتاب والسنة، ويُقال : هذا كتاب الله، هذه سنة رسول الله e، ولكنه لا يقبل؛ بل يستمر على رأيه، فهذا ردٌّ الحق والعياذ بالله.
والواجب أن يرجع الإنسان للحق حيثما وجده، حتى لو خالف قوله فليرجع إليه، فإن هذا أعز له عند الله، وأعز له عند الناس، وأسلم لذمته وأبرأ ولا يضره .انظر: شرح رياض الصالحين لابن عثيمين.
(12) الفَرِحُوُن: قال تعالى:) إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ( [القصص/76]. أي: لا تفرح بهذه الدنيا العظيمة، وتفتخر بها، وتلهيك عن الآخرة، فإن اللّه لا يحب الفرحين بها، المنكبين على محبتها، هذا هو الفرح المذموم الموجب للعقاب، بخلاف الفرح الممدوح الذي قال الله فيه:{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا } وهو الفرح بالعلم النافع، والعمل الصالح.انظر: تفسير السعدي.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا }. وَقَالَ عَنْ قَارُونَ :{ إذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ }. هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ مَعَ الصَّبْرِ عَنْ الِاعْتِدَاءِ فِي الشَّهْوَةِ هِيَ جَوَامِعُ (الأمر والنهي). وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ وَيَشْتَهِيهِ: وَبَيْنَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ فَهُوَ يَطْلُبُ الْأَوَّلَ بِمَحَبَّتِهِ وَشَهْوَتِهِ وَيَدْفَعُ الثَّانِيَ بِبُغْضِهِ وَنُفْرَتِهِ. وَإِذَا حَصَلَ الْأَوَّلُ أَوْ انْدَفَعَ الثَّانِي أَوْجَبَ لَهُ فَرَحًا وَسُرُورًا وَإِنْ حَصَلَ الثَّانِي أَوْ انْدَفَعَ الْأَوَّلُ حَصَلَ لَهُ حُزْنٌ فَهُوَ مُحْتَاجٌ عِنْدَ الْمَحَبَّةِ وَالشَّهْوَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِمَا ؛ وَعِنْدَ الْغَضَبِ وَالنُّفْرَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِمَا؛ وَعِنْدَ الْفَرَحِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ عُدْوَانِهِ؛ وَعِنْدَ الْمُصِيبَةِ أَنْ يَصْبِرَ عَنْ الْجَزَعِ مِنْهَا.مجموع الفتاوى(6/341)، لذا قال مجاهد-رحمه الله- في قوله:( لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ ) أي: المُتبذِّخين الأشِرين البَطِرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم . وقال-رحمه الله-: « الفرح هاهنا البغي » انظر: تفسير ابن أبي حاتم.
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
وللحديث بقية إن شاء الله




الحلقة الثانية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،،،
     فيا أيها القارئ الكريم تكلمنا في الحلقة السابقة عن الذين لا يحبهم الله U في القرآن العظيم مع بيان معتقد أهل السنة والجماعة في إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْفِعْلِ لِلَّهِU  مِنَ الرِّضَىِ، وَالْغَضَبِ، وَاللَّعْنِ، وَالْكُرْهِ، وَالسَّخَطِ، وَالْمَقْتِ، وَالْأَسَفِ.
     وَهِيَ صِفَاتٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ صِفَاتٌ حَقِيقِيَّةٌ لِلَّهِ U، عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَلَا تُشْبِهُ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الْمَخْلُوقُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ فِي الْمَخْلُوقِ. وفي هذه الحلقة سنتكلم عن الذين لا يحبهم الله U في السنة المطهرة، مع بيان أقوال السلف الصالح y أجمعين.

هؤلاء لا يحبهم الله U :
ثانياً: من السنة:
(1) الْعُقُوُق: عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ e عَنْ الْعَقِيقَةِ ؟ فَقَالَ: « لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْعُقُوقَ » كَأَنَّهُ كَرِهَ الِاسْمَ، وَقَالَ:« مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ». صحيح الجامع ح (7630). لذا كان العقوق من أكبر الكبائر: قَالَ e:« أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ ». ثَلاَثًا. قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ:« الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » متفق عليه. وأيضاً مانعاً من دخول الجنة: لقوله eثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالدَّيُّوثُ، وَرَجُلَةُ النِّسَاءِ ». صحيح الجامع ح (3063).
(2) الْمَخِيلَةُ: عَنْ أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ t قَالَ: قَالَ e في حديثه الطويل: « إِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهَا مِنْ الْمَخِيلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ ».صحيح سنن أبي داود ح (4084).
قلت: إسبال الإزار إذا قصد به الْمَرْءُ الخيلاء فله عقوبة وهي: أن لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة، ولا يكلمه، ولا يزكيه وله عذاب أليم.
وأما إذا لم يقصد به الخيلاء فعقوبته أن يعذب قدر ما نزل من الكعبين بالنار، لحديث أبي ذر الغفاري t أن النبي e قَالَ: ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ e ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ: أَبُو ذَرٍّ خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ: « الْمُسْبِلُ ،وَالْمَنَّانُ ،وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ » رواه مسلم. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ t قَالَ: قَالَ e: « مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » متفق عليه. فهذا فيمن جر ثوبه خيلاء.
وأما من لم يقصد الخيلاء فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِىِّ e قَالَ:« مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الإِزَارِ فَفِى النَّارِ » رواه البخاري. ولم يقيد ذلك بالخيلاء، ولا يصح أن يقيد بها بناء على الحديث الذي قبله، لأن أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: « إِزْرَةُ الْمُسْلِمِ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلاَ حَرَجَ - أَوْ لاَ جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِى النَّارِ مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ». صحيح الترغيب والترهيب ح(2031).  ولأن العملين مختلفان، والعقوبتين مختلفتان، ومتى اختلف الحكم والسبب امتنع حمل المطلق على المقيد، لما يلزم على ذلك من التناقض. وأما من احتج علينا بحديث أبي بكر t:
فنقول له ليس لك حجة فيه من وجهين :
الوجه الأول: أن أبا بكر t قال: « إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ... »رواه البخاري، فهو tلم يرخ ثوبه اختياراً منه، بل كان ذلك يسترخي، ومع ذلك فهو يتعاهده، والذين يسبلون ويزعمون أنهم لم يقصدوا الخيلاء يرخون ثيابهم عن قصد، فنقول لهم: إن قد تم إنزال ثيابكم إلى أسفل من الكعبين بدون قصد الخيلاء عذبتم على ما نزل فقط بالنار، وإن جررتم ثيابكم خيلاء عذبتم بما هو أعظم من ذلكم لا يكلمكم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليكم، ولا يزكيكم، ولكم عذاب أليم.
الوجه الثاني: أن أبا بكر t زكاه النبي e وشهد له أنه ليس ممن يصنع الخيلاء فَقَالَ eإِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاَءَ » رواه البخاري، فهل نال أحد من هؤلاء تلك التزكية والشهادة ؟ ولكن الشيطان يفتح لبعض الناس إتباع المتشابه من نصوص الكتاب والسنة ليبرر لهم ما كانوا يعملون، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، نسأل الله لنا الهداية والعافية. انظر: مجموع فتاوى ابن عثيمين ج 12 .
(3) الْمُسْبِلُوُن: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ t قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ e أَخَذَ بِحُجْزَةِ سُفْيَانَ بْنِ سَهْلٍ الثَّقَفِيِّ فَقَالَ يَا سُفْيَانُ: « لَا تُسْبِلْ إِزَارَكَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلِينَ ». صحيح الجامع ح (7912).
 قلت: إسبال الثوب على نوعين أيضاً:
أحدهما: أن يكون خيلاء وفخراً فهذا من كبائر الذنوب وعقوبته عظيمة: أن الله لا ينظر إلى فاعله، ولا يكلمه ولا يزكيه يوم القيامة وله عذاب أليم. فهذا النوع هو الإسبال المقرون بالخيلاء، وفيه هذا الوعيد الشديد، وهذا العموم في حديث أبي ذر t المذكور آنفاً مخصص بحديث ابن عمر t فيكون الوعيد فيه على من فعل ذلك خيلاء لاتحاد العمل والعقوبة في الحديثين.
 النوع الثاني من الإسبال: أن يكون لغير الخيلاء، فهذا حرام ويخشى أن يكون من الكبائر لأن النبي e توعد فيه بالنار، لحديث أَبِى هُرَيْرَةَ t المذكور آنفاً، ولا يمكن أن يكون هذا الحديث مخصصاً بحديث ابن عمرt، لأن العقوبة مختلفة، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري t، ففرق النبي e بين من جر ثوبه خيلاء ومن كان إزاره أسفل من كعبيه. لكن إن كان السروال ينزل عن الكعبين بدون قصد وهو يتعاهده ويرفعه فلا حرج، لفعل أبي بكر t.
(4) الْفَاحِشُ الْمُتَفَحِّشُ: لقوله eيَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ». صحيح الجامع ح (7922). وفي روايةإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى- يُبْغِضُ الْفَاحِشَ وَالْمُتَفَحِّشَ ». صحيح الجامع ح (1877)، وفي روايةأثقل شيء في ميزان المؤمن خلق حسن، إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى- يُبْغِضُ الْفَاحِشَ البذيء ». صحيح الجامع ح (135).

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: قَالَ الْإِمَام أَبُو سُلَيْمَان الْخَطَّابِيُّ-رَحِمَهُ اللَّه-:(( الْفَاحِش وَالْفُحْش فِي كَلَامه وَفِعَاله، وَالْمُتَفَحِّش الَّذِي يَتَكَلَّف ذَلِكَ وَيَتَعَمَّدهُ. وَأَصْل الْفُحْش زِيَادَة الشَّيْء عَلَى مِقْدَاره ، يَقُول e إِنَّ اِسْتِقْبَال الْمَرْء صَاحِبه بِعُيُوبِهِ إِفْحَاش وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْفُحْش، وَلَكِنَّ الْوَاجِب أَنْ يَتَأَنَّى بِهِ وَيَرْفُق بِهِ وَيُكَنِّي فِي الْقَوْل وَيُوَرِّي وَلَا يُصَرِّح )). انظر: عون المعبود.  
(5) الْبُؤْسُ وَالتَّبَاؤُسُ: لقوله eإِنَّ اللَّهَ U لا يُحِبُّ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ ». صحيح الجامع ح (255). وفي روايةيُبْغِضُ الْبُؤْسَ وَالتَّبَاؤُسَ ».صحيح الجامع ح (1742). وفي رواية:« يَكْرَهُ الْبُؤْسَ، وَالتَّبَاؤُسَ ».صحيح الجامع ح (1711)، ((الْبُؤْسَ)): الخضوع والذلة ورثاثة الحال، ((التَّبَاؤُسَ)): إظهار التمسكن والشكاية لأن ذلك يؤدى لاحتقار الناس له وازدرائهم إياه وشماتة أعدائه. انظر: الجامع الكبير للسيوطي.
قال الإمام المناوي-رحمه الله-:((ومن آثار جمال أفعاله تقدس الرضي من عباده باليسير من الشكر وإثابة الكثير من الأجر على قليل العمل ويجعل الحسنة عشرا ويزيد من شاء ما شاء ويعفو عن السيئات ويستر الزلات فعلى عباده أن يتجملوا معه في إظهار نعمته عليهم المؤذن بقلة إظهار السؤال لغيره والطلب ممن سواه وتجنب أضداد ذلك من إظهار البؤس والفاقة)) فيض القدير (2/284).
(6) مُبْغِضُ الْأَنْصَارِ: لقوله eلا يُبْغِضُ الأَنْصَارَ رَجُلٌ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ يُبْغِضُهُ » صحيح الجامع ح (1979).
قلت:لأن حُبُّ الْأَنْصَارِ آيَةُ الْإِيمَانِ وبُغْضُ الْأَنْصَارِ آيَةُ النِّفَاقِ لقوله eآيَةُ الْإِيمَانِ حُبُّ الْأَنْصَارِ وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الْأَنْصَارِ» متفق عليه، ولقوله e: « الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلاَّ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلاَّ مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ »متفق عليه، ولقوله e: « لَا يُبْغِض الْأَنْصَار رَجُل يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِرِ »رواه مسلم، قال الإمام النووي-رحمه الله-: وَمَعْنَى هَذَه الأحَادِيث : أَنَّ مَنْ عَرَفَ مَرْتَبَة الْأَنْصَار وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي نُصْرَة دِينِ الْإِسْلَامِ، وَالسَّعْيِ فِي إِظْهَارِهِ وَإِيوَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَامِهِمْ فِي مُهِمَّاتِ دِينِ الْإِسْلَامِ حَقّ الْقِيَام، وَحُبِّهِمْ النَّبِيَّ e وَحُبّه إِيَّاهُمْ، وَبَذْلهمْ أَمْوَالهمْ وَأَنْفُسهمْ بَيْن يَدَيْهِ، وَقِتَالهمْ وَمُعَادَاتهمْ سَائِر النَّاس إِيثَارًا لِلْإِسْلَامِ، كَانَ ذَلِكَ مِنْ دَلَائِل صِحَّة إِيمَانِهِ وَصِدْقِهِ فِي إِسْلَامِهِ لِسُرُورِهِ بِظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَالْقِيَام بِمَا يُرْضِي اللَّه I، وَرَسُوله e، وَمَنْ أَبْغَضهمْ كَانَ بِضِدِّ ذَلِكَ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى نِفَاقه وَفَسَاد سَرِيرَته.وَاَللَّه أَعْلَم انظر: شرح مسلم .
(7) اَلْتَنَاَجِي عَلى اَلْغَاَئِطِ: لقوله eلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ عَلَى غَائِطِهِمَا يَنْظُرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ » صحيح الترغيب ح (155)، والمقت أشد البغض والبغض قريب من معنى الكراهية.
قال العلاَّمة ابن عثيمين-رحمه الله-: والإِمام أحمد نصَّ على أنه يُكره الكلام حال قضاء الحاجة، وفي رواية عنه قال: « لَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَكَلَّمَ » انظر:الإِنصاف(1/19)، والمعروف عند أصحابه أنه إذا قال: «أكره»، أو«لَا يَنْبَغِي» أنه للتَّحريم.
فالحاصل: أنه لا ينبغي أن يتكلَّم حال قضاء الحاجة، إلا لحاجة كما قال الفقهاء رحمهم الله، كأن يُرشِدَ أحداً، أو كلَّمه أحد لا بدَّ أن يردَّ عليه، أو كان له حاجة في شخص وخاف أن ينصرف، أو طلب ماء ليستنجي، فلا بأس. انظر: كشاف القناع(1/63) بواسطة الشرح الممتع .
(8) الْكَذِب: عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ t قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ e فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَىَّ جُنَاحٌ أَنْ أَكْذِبَ أَهْلِي ؟ قَالَ :« لاَ، فَلاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْكَذِبَ ». قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَصْلِحُهَا وَأَسْتَطِيبُ نَفْسَهَا. قَالَ :« لاَ جُنَاحَ عَلَيْكَ ».الصحيحة ح(498)، قال العلاَّمة الألباني-رحمه الله-: ليس من الكذب المباح أن يعدها بشيء لا يريد أن يفي به لها أو يخبرها بأنه اشترى لها الحاجة الفلانية بسعر كذا - يعني أكثر من الواقع - ترضية لها لأن ذلك قد ينكشف لها فيكون سببا لكي تسيء ظنها بزوجها وذلك من الفساد لا الإصلاح.قال القاضي عياض-رحمه الله-: يحتمل أن يكون فيما يخبر به كل منهما بما له فيه من المحبة والاغتباط وإن كان كذبا لما فيه من الإصلاح ودوام الألفة . الصحيحة تحت ح(498).
(9) الْبَيَّاعُ الْحَلاَّفُ: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ  tأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ: أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ومنهم: « الْبَيَّاعُ الْحَلاَّفُ » الصحيحة ح(363)، قلت: لقوله e:(ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ e ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ: أَبُو ذَرٍّ (راوي الحديث) خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وذكر منهم " وَالْمُنَفِّقُ سِلْعَتَهُ بِالْحَلِفِ الْكَاذِبِ") رواه مسلم.

(10) الْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ: لقوله e: أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ومنهم:« الْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ» الصحيحة ح(363).
   قال الإمام النووي-رحمه الله-:( وَإِنَّمَا سَبَب الْفَخْر وَالْخُيَلَاء وَالتَّكَبُّر وَالِارْتِفَاع عَلَى الْقُرَنَاء الثَّرْوَة فِي الدُّنْيَا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا فِيهَا، وَحَاجَات أَهْلهَا إِلَيْهِ؛ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْده أَسْبَابهَا فَلِمَاذَا يَسْتَكْبِر وَيَحْتَقِر غَيْره ؟ فَلَمْ يَبْقَ فِعْله، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم ) انظر: شرح مسلم.
(11) الشَّيْخُ الزَّانِى: لقوله e: أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ومنهم:« الشَّيْخُ الزَّانِى » الصحيحة ح(363).
   قال الإمام النووي-رحمه الله-:(إِنَّ الشَّيْخ لِكَمَالِ عَقْله وَتَمَام مَعْرِفَته بِطُولِ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ الزَّمَان، وَضَعْف أَسْبَاب الْجِمَاع وَالشَّهْوَة لِلنِّسَاءِ، وَاخْتِلَال دَوَاعِيهِ لِذَلِكَ، عِنْدَهُ مَا يُرِيحهُ مِنْ دَوَاعِي الْحَلَال فِي هَذَا وَيُخَلِّي سِرَّهُ مِنْهُ فَكَيْف بِالزِّنَا الْحَرَام، وَإِنَّمَا دَوَاعِي ذَلِكَ الشَّبَاب، وَالْحَرَارَة الْغَرِيزِيَّة، وَقِلَّة الْمَعْرِفَة، وَغَلَبَة الشَّهْوَة لِضَعْفِ الْعَقْل، وَصِغَر السِّنّ، فَلَمْ يَبْقَ فِعْل الشَّيْخِ الزَّانِي، إِلَّا لِضَرْبٍ مِنْ الِاسْتِخْفَاف بِحَقِّ اللَّه تَعَالَى. وَاَللَّه أَعْلَم ) انظر: شرح مسلم.
(12) الإِمَامُ الْجَائِرُ: لقوله e: أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ومنهم:« الإِمَامُ الْجَائِرُ » الصحيحة ح(363).
      قال الحسن البصري-رحمه الله-:(اعلم-عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله-تعالي-، ونقم الله لا تلاقي بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب .
    إن نقم الله متي لقيت بالسيوف كانت هي أقطع . ولقد حدثني مالك بن دينار-رحمه الله- أن الحجاج كان يقول:"اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً أحدث الله في سلطانكم عقوبة") انظر: آداب الحسن البصري.
(13) الْبَخِيلُ الْمَنَّانُ: عَنْ أَبِى ذَرٍّ t قَالَ:« ثَلاَثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ، وَثَلاَثَةٌ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ ((أي: يَبْغَضُهُمُ اللَّهُ)) عَزَّ وَجَلَّ». فذكر الحديث إلى أن قَالَ: قُلْتُ: وَمَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَشْنَؤُهُمُ اللَّهُ ؟ قَالَ منهم:« الْبَخِيلُ الْمَنَّانُ » صحيح الجامع ح(3074)، قلت:لقوله e:(ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ: فَقَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ e ثَلَاثَ مِرَارًا قَالَ: أَبُو ذَرٍّ (راوي الحديث) خَابُوا وَخَسِرُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وذكر منهم "الْمَنَّانُ") رواه مسلم، قَالَ الإمام الْقُرْطُبِيّ-رحمه الله-: الْمَنُّ غَالِبًا يَقَعُ مِنْ الْبَخِيلِ وَالْمُعْجَبِ، فَالْبَخِيل تَعْظُمُ فِي نَفْسِهِ الْعَطِيَّة وَإِنْ كَانَتْ حَقِيرَة فِي نَفْسِهَا، وَالْمُعْجَب يَحْمِلُهُ الْعُجْبُ عَلَى النَّظَرِ لِنَفْسِهِ بِعَيْنِ الْعَظَمَة وَأَنَّهُ مُنْعِمٌ بِمَالِهِ عَلَى الْمُعْطَى وَإِنْ كَانَ أَفْضَل مِنْهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَمُوجِبُ ذَلِكَ كُلّه الْجَهْل وَنِسْيَان نِعْمَةِ اللَّهِ فِيمَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَظَرَ مَصِيره لِعَلِمَ أَنَّ الْمِنَّةَ لِلْآخِذِ لِمَا يَتَرَتَّبُ لَهُ مِنْ الْفَوَائِدِ .انظر: الفتح (5/29).

(14) القِيلَ وَالقَالَ:لقوله e: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا منها: « قِيلَ وَقَالَ » رواه البخاري، قال الإمام النووي -رحمه الله-:وَأَمَّا ( قِيلَ وَقَالَ ) فَهُوَ الْخَوْض فِي أَخْبَار النَّاس، وَحِكَايَات مَا لَا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالهمْ وَتَصَرُّفَاتهمْ . انظر: شرح مسلم، قلت: وَمَحَلّ كَرَاهَة ذَلِكَ أَنْ يُكْثِر مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤْمَن مَعَ الْإِكْثَار مِنْ الزَّلَل. انظر: الفتح.
(15) إِضَاعَةُ الْمَالِ: لقوله e: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا منها:« إِضَاعَة الْمَالِ » رواه البخاري، وَأَمَّا ( إِضَاعَة الْمَال ) : فَهُوَ صَرْفه فِي غَيْر وُجُوهه الشَّرْعِيَّة، وَتَعْرِيضه لِلتَّلَفِ، وَسَبَب النَّهْي أَنَّهُ إِفْسَاد، وَاَللَّه لَا يُحِبّ الْمُفْسِدِينَ، وَلِأَنَّهُ إِذَا أَضَاعَ مَاله تَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِي النَّاس .انظر: شرح مسلم.
(16) كَثْرَةُ السُّؤَالِ: لقوله e: إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا منها:« كَثْرَة السُّؤَالِ » رواه البخاري، قِيلَ : الْمُرَاد بِهِ الْقَطْع فِي الْمَسَائِل، وَالْإِكْثَار مِنْ السُّؤَال عَمَّا لَمْ يَقَع، وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَة، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ، وَكَانَ السَّلَف يَكْرَهُونَ ذَلِكَ، وَيَرَوْنَهُ مِنْ التَّكَلُّف الْمَنْهِيّ عَنْهُ. وَقِيلَ: الْمُرَاد بِهِ سُؤَال النَّاس أَمْوَالهمْ، وَمَا فِي أَيْدِيهمْ، وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: يَحْتَمِل أَنَّ الْمُرَاد كَثْرَة سُؤَال الْإِنْسَان عَنْ حَاله وَتَفَاصِيل أَمْره، فَيَدْخُل ذَلِكَ فِي سُؤَاله عَمَّا لَا يَعْنِيه، وَيَتَضَمَّن ذَلِكَ حُصُول الْحَرَج فِي حَقّ الْمَسْئُول، فَإِنَّهُ قَدْ لَا يُؤَثِّر إِخْبَاره بِأَحْوَالِهِ، فَإِنْ أَخْبَرَهُ شَقَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَذَّبَهُ فِي الْإِخْبَار أَوْ تَكَلَّفَ التَّعْرِيض لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّة، وَإِنْ أَهْمَلَ جَوَابه اِرْتَكَبَ سُوء الْأَدَب. انظر: شرح مسلم.
(17) السَّائِلُ الْمُلْحِف: لقوله eإِنَّ اللَّهَ U يُبْغِضُ السَّائِلَ الْمُلْحِف». الصحيحة ح(1320). قال ابن مسعود t   الملحف، الذي إن أعطي كثيراً ، أفرط في المدح ، وإن أعطي قليلاً أفرط في الذَّمِّ .انظر: تفسير اللباب لابن عادل.
(18) التَّثَاوُبُ: فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t عَنِ النَّبِىِّ eإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ، وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ، فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ، وَأَمَّا التَّثَاوُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِذَا قَالَ هَا. ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ » رواه البخاري. قَالَ اِبْن بَطَّال-رحمه الله-: إِضَافَة التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان بِمَعْنَى إِضَافَة الرِّضَا وَالْإِرَادَة، أَيْ أَنَّ الشَّيْطَان يُحِبّ أَنْ يَرَى الْإِنْسَان مُتَثَائِبًا لِأَنَّهَا حَالَة تَتَغَيَّر فِيهَا صُورَته فَيَضْحَك مِنْهُ. لَا أَنَّ الْمُرَاد أَنَّ الشَّيْطَان فَعَلَ التَّثَاؤُب. وَقَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ-رحمه الله-: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ كُلّ فِعْل مَكْرُوه نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ وَاسِطَته، وَأَنَّ كُلّ فِعْل حَسَن نَسَبَهُ الشَّرْع إِلَى الْمَلَك لِأَنَّهُ وَاسِطَته، قَالَ: وَالتَّثَاؤُب مِنْ الِامْتِلَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ التَّكَاسُل وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَان، وَالْعُطَاس مِنْ تَقْلِيل الْغِذَاء وَيَنْشَأ عَنْهُ النَّشَاط وَذَلِكَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَك. وَقَالَ النَّوَوِيّ-رحمه الله-: أُضِيفَ التَّثَاؤُب إِلَى الشَّيْطَان لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَات إِذْ يَكُون عَنْ ثِقَل الْبَدَن وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ، وَالْمُرَاد التَّحْذِير مِنْ السَّبَب الَّذِي يَتَوَلَّد مِنْهُ ذَلِكَ وَهُوَ التَّوَسُّع فِي الْمَأْكَل. انظر: الفتح.
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

انتهاء في
ليلة الجمعة الموافق 19/من شهر ربيع الأول/1429هـ
الموافق 27/من مارس/2008م