جديدالموقع

عام جديد ونداءات الرحمة









الحمدُ لله الواسعِ العظيم، الجوادِ البَرِّ الرَّحِيم، خلقَ كلَّ شَيْء فقدَّره، وأنزلَ الشرعَ فَيَسَّره وهو الحكيمُ العليم، بدأ الخلقَ وأنهاه، وسيَّر الفَلَكَ وأجراه، { وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ القَدِيمِ (39) لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) } [يس: 38 ـ40].
أحمدُهُ على ما أوْلى وهدَى، وأشكرهُ على ما وهبَ وأعطَى، وأشهدُ أنه لا إِله إِلاَّ هو الملك العليُّ الأعلى، الأولُ الَّذِي ليس قَبْلَه شَيْء، والأخِرُ الَّذِي ليس بَعْدَه شيء، والظاهرُ الَّذِي ليس فوقَه شيء، والباطِنُ الَّذِي ليس دونَه شيء، وهو بكلِّ شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المصطفى على المرسلين، صلَّى الله عليه وعلى صاحبِه أبي بكر أفضل الصِّدِّيقين، وعلى عمرَ المعروفِ بالقوةِ في الدِّين، وعلى عثمانَ المقتولِ ظلماً بأيدي المجرمين، وعلى عليٍّ أقربِهم نسباً على الْيقين، وعلى جميعِ آلِهِ وأصحابِه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وسلَّم تسليماً. ([1]).
إخواني: إن العمر يمر، والسنوات تكر ، ليلٌ يأتي ونهارٌ يفر ، وإنها شاهدةٌ لكم أو عليكم بما أودعتموها من الأعمال، فمن أودعها عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك وليَبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يُضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعها عملاً سيئاً فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحاً فإن الله يتوبُ على من تاب، ولَقَدْ شرعَ الله لكم في أيام دهركم عباداتٍ تزيدُكم من الله قُرْباً وتزيدُ في إيمانكم قُوَّةً وفي سِجلِّ أعمالِكم حسنات.
إخواني: إنه وإن انْقَضَى عام فإن عمل المؤمنِ لا ينقضِي قبْلَ الموت. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } [الحجر: 99]، وقال تعالى: {يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ } [آل عمران: 102]، وقال النبيُّ e: ((إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ )) ([2])، فلم يَجْعلْ لانقطاع العملِ غايةً إلاّ الموتَ، فلئِن انقضى عام فإن المؤمنَ لن ينقطعَ من عبادةِ ربه بذلك، فلا تزالُ العبادات مشروعة ولله الحمد في العام كلِّه.
فاجتهدُوا إخوانِي في فعلِ الطاعاتِ، واجتنبُوا الخطايَا والسيئاتِ، لتفوزُوا بالحياةِ الطيبةِ في الدنيا والأجْرَ الكثير بعد المَمَات قال الله U: {مَنْ عَمِلَ صَـلِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [النحل: 97].
النداء الأول : التوبة ( تب إلي ربك ) .
قال الإمام النووي ـ رحمه الله ـ قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالي، لا تتعلق بحق آدمي؛ فلها ثلاثة شروط.([3])
          أحدها: أن يقلع عن المعصية: وهذا من أهم الشروط. والإقلاع عن الذنب : إن كان الذنب ترك واجب؛ فالإقلاع عنه بفعله؛ مثل أن يكون شخص لا يزكي، فأراد أن يتوب إلي الله، فلابد من أن يخرج الزكاة التي مضت ولم يؤدها. وإذا كان الإنسان مقصراً في بر الوالدين؛ فإنه يجب عليه أن يقوم ببرهما، وإذا كان مقصراً في صلة الرحم؛ فإنه يجب عليه أن يصل الرحم.
          وإن كانت المعصية بفعل محرم، فالواجب أن يقلع عنه فوراً، ولا يبقي فيه ولا لحظة.
          فإذا كانت من أكل الربا مثلاً، فالواجب أن يتخلص من الربا فوراً، بتركه والبعد عنه، وإخراج ما اكتسبه عن طريق الربا، إذا كانت المعصية بالغش والكذب على الناس وخيانة الأمانة، فالواجب عليه أن يرده إلي صاحبه، أو يستحله منه، وإذا كانت غيبة، فالواجب أن يقلع عن غيبة الناس والتكلم في أعراضهم
          والثاني: أن يندم على فعلها: لأن شعور الإنسان بالندم هو الذي يدل علي انه صادق في التوبة .
          والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبداً.
فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته.
          وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة، وأن يبرأ من حق صاحبها، فإن كانت مالاً أو نحوه رده إليه، وإن كانت حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها . ويجب أن يتوب من جميع الذنب. وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة: قال الله تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }[ النور: 31] ، وقال تعالى: { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ } [هود: 3]، وقال تعالى: { يَأَيُّهَا الَّذين آمَنُوا تُوبُوا إلَى الله تَوْبَةً نَصُوحاً } [التحريم: 8 ].
وعَنْ أَبِي مُوسَى t عَنْ النَّبِيِّ e قَالَ : (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )) ([4]).لكن الذي لم يتب قبل أن تطلع الشمس من مغربها لا تقبل توبته؛ لأن هذه آية يشهدها كل أحد، وإذا جاءت الآيات المنذرة لم تنفع التوبة ولم ينفع الإيمان!
النداء الثاني : الإخلاص ( كن مخلصاً في جميع الأعمال والأقوال البارز والخفية).
قال الله تعالي:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة:5]، ولما في الصحيحين من حديث: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ t يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ : (( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ ))([5]).
(( النية )) محلها القلب ، ولا محل لها في اللسان في جميع الأعمال ؛ ولهذا كان من نطق بالنية عند إرادة الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو الوضوء، أو غير ذلك من الأعمال كان مبتدعاً قائلاً في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي eكان يتوضأ ، ويصلي ويتصدق ، ويصوم ويحج، ولم يكن ينطق بالنية، فلم يكن يقول : اللهم إني نويت أن أتوضأ ، اللهم إني نويت أن أصلي، اللهم إني نويت أن أتصدق ، اللهم إني نويت أن أحج، لم يكن يقول هذا؛ وذلك لأن النية محلها القلب، والله عز وجل يعلم ما في القلب ، ولا يخفي عليه شيء سبحانه .
فالله الله!! أيها الإخوة بإخلاص النية لله سبحانه وتعالي!!
واعلم: أن الشيطان قد يأتيك عند إرادة عمل الخير، فيقول لك: إنك إنما تعمل هذا رياء، فيحبط همتك ويثبطك ولكن لا تلتفت إلي هذا ، ولا تطعه، بل اعمل ولو قال لك: إنك إنما تعمل رياء أو سمعة؛ لأنك لو سئلت: هل أنت الآن تعمل هذا رياء وسمعة؟ : لا!! إذن فهذا الوسواس الذي أدخله الشيطان في قلبك، لا تلتفت له، وافعل الخير؛ ولا تقل: إني أرائي وما أشبه ذلك .
النداء الثالث : الصبر ( كن صابراً ) .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ([6]) الصبر في اللغة: الحبس .
والمراد به في الشرع: حبس النفس على أمور ثلاثة:
الأول: على طاعة الله : أن يصبر الإنسان على طاعة الله لأن الطاعة ثقيلة على النفس، وتصعب على الإنسان ، وكذلك ربما تكون ثقيلة على البدن بحيث يكون مع الإنسان شيء من العجز والتعب، وكذلك أيضا يكون فيها مشقة من الناحية المالية؛ كمسألة الزكاة ومسالة الحج، فالطاعات فيها شيء من المشقة على النفس والبدن، فتحتاج إلي صبر ، وإلي معاناة قال الله تعالي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] .
الثاني: عن محارم الله: الصبر عن محارم الله بكف الإنسان نفسه عما حرم الله عليه، لأن النفس الأمارة بالسوء تدعو إلي السوء، فيصبر الإنسان نفسه,مثل الكذب ، والغش في المعاملات، وأكل المال بالباطل بالربا أو غيره، والزنا، وشرب الخمر، والسرقة، وما أشبه ذلك من المعاصي الكثيرة. قال تعالي:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ }[الزمر: 10]
الثالث: على أقدار الله المؤلمة: فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة ؛ لأن أقدار اللهU  على الإنسان ملائمة ومؤلمة.
الملاءمة: تحتاج إلي الشكر .
والمؤلمة: تحتاج إلي الصبر .
قال تعالي: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } [البقرة:155]، وقَالَ e (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) ([7]) .هذه أنواع الصبر التي ذكرها أهل العلم.
النداء الرابع: الصدق ( كن صادقاً في أقوالك وأفعالك) .
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ الصدق: معناه مطابقة الخبر للواقع، هذا في الأصل.
ويكون في الإخبار ، فإذا أخبرت بشيء وكان خبرك مطابقاً للواقع قيل: إنه صدق .
فالخبر إن طابق الواقع فهو صدق، وإن خالف الواقع فهو كذب.   
وكما يكون الصدق في الأقوال يكون أيضاً في الأفعال.
فالصدق في الأفعال : هو أن يكون الإنسان باطنه موافقاً لظاهره، بحيث إذا عمل عملاً يكون موافقاً لما في قلبه.
فالمرائي مثلا ليس بصادق؛ لأنه يظهر للناس أنه من العابدين وليس كذلك.
والمشرك مع الله ليس بصادق؛ لأنه يظهر أنه موحد وليس كذلك.
والمنافق ليس بصادق، لأنه يظهر الإيمان وليس بمؤمن.
والمبتدع ليس بصادق، لأنه يظهر الإتباع للرسول- عليه الصلاة والسلام- وليس بمتبع.
المهم أن الصدق مطابقة الخبر للواقع، وهو من سمات المؤمنين وعكسه الكذب، وهو من سمات المنافقين، نعوذ بالله.([8]) .
قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } [التوبة: 119]، وقال e ((إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا )) ([9]) .
النداء الخامس: المراقبة (أن تعبد الله كأنك تراه؛ فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .
اعلم أن المراقبة لها وجهان:
الوجه الأول: أن تراقب الله عز وجل: أما مراقبتك لله فأن تعلم أن الله- تعالي- يعلم كل ما تقوم به من أقوال وأفعال واعتقادات . قال الله تعالى: { الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ في السَّاجِدِينَ } [الشعراء: 219، 220] .
والوجه الثاني: أن الله تعالي رقيب عليك : تعلم أن ، أي شيء تقوله، أو تفعله، أو تضمره في سرك فالله تعالي عليم به .قال تعالى: { إنَّ الله لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ في الأَرْضِ وَلا في السَّمَاءِ } [آل عمران: 6] ، وقال تعالى: {وَهُوَ مَعَكم أَيْنَما كُنْتُم } [الحديد: 4]، تقتضي هذه الآية بأنك إذا آمنت بأن الله معك ، فإنك تتقيه وتراقبه ؛ لأنه لا يخفى عليه U حالك مهما كنت ، لو كنت في بيت مظلم ليس فيه أحد ولا حولك أحد فإن الله تعالى معك ، لكن ليس في نفس المكان ، وإنما محيط بك U لا يخفى عليه شيء من أمرك . فتراقب الله ، وتخاف الله ، وتقوم بطاعته ، وتترك مناهيه . ولهذا لما سئل النبي e عن الإحسان قال: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ )).([10]) .
اعبد الله كأنك تراه ، كأنك تشاهده رأي عين، فإن لم تكن تراه فانزل إلي المرتبة الثانية: (( فإنه يراك)).
فالأول: عبادة رغبة وطمع، أن تعبد الله كأنك تراه، والثاني: عبادة رهبة وخوف، ولهذا قال: (( فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
النداء السادس: المبادرة إلى الخيرات والمحافظة عليها ( أسّرِعْ أسّرِعْ عَجِّلْ عَجِّلْ ).
وهذا النداء يتضمن أمرين :
الأول : المبادرة والمسارعة إلى الخير .
والثاني : أن الإنسان إذا عزم على الشيء ـ وهو خير ـ فليمض فيه ولا يتردد .
قال الله تعالى: { فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }[البقرة: 148]، وقال تعالى :{ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ }[ آل عمران : 133] .
فالإنسان ينبغي له أن يسارع في الخيرات ، كلما ذُكر له شيء من الخير بادر إليه ، فمن ذلك الصلاة ، والصدقة ، والصوم ، والحج ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، إلى غير ذلك من مسائل الخير التي ينبغي المسارعة إليها ؛ لأن الإنسان لا يدري ، فربما يتوانى في الشيء ولا يقدر عليه بعد ذلك ، إما بموت ، أو مرض ، أو فوات ، أو غير هذا ، لذا قَالَ e (( بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا )) ([11]) .
لذا بادروا بالأعمال قبل فوات الأوان سارعوا سارعوا قبل انقضاء الآجال :
الصلاة :
الصلاة تغفر الذنوب : قال تعالى:{ أَقِم الصَّلاةَ طَرَفي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ، إنَّ الحَسَنَاتِ يُذهِبْنَ السَّيِّئَاتِ }[هود آية: (114)] ، وقال : e ((أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ))([12]) .
الصلاة تُدخل الجنّة : قال : e ((مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ ([13]) دَخَلَ الْجَنَّةَ )) ([14]) .
الصلاة نور لك يوم القيامة :قال تعالى : { يَوْمَ تَرَى المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ اليَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ }[الحديد آية: (12)]، وقال:e  : ((بَشِّرْ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) ([15]) .  
الصيام :
الصيام وجزاء الرحمن U : قَالَ اللَّهُ U في الحديث القدسي : ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي ))([16]) .
الصيام وباب الريان : قال:e ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ )) ([17]) .
الصيام وقاية من النيران: قال:e ((مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )) ([18] ) .
أفضل الصيام بعد رمضان : قال : e ((أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ )) ([19]) .
الإنفاق في سبيل الله : قال الله تعالى: { ومَا أَنفَقْتُم مِن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } [سبأ: 39] ، وقال تعالى: { ومَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ ومَا تُنفِقُونَ إلاَّ ابِتغَاءَ وَجْهِ الله ومَا تُنفِقُوا مِنْ خَيرٍ يُوَفَّ إلَيْكُمْ وَأَنْتُم لا تُظْلَمُونَ }[البقرة: 272]
أنت في ظل صدقتك يوم القيامة: قال : e ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ يُحْكَمَ بَيْنَ النَّاسِ )) ([20])
قال الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ في " مسنده " ((قَالَ يَزِيدُ وَكَانَ أَبُو الْخَيْرِ لَا يُخْطِئُهُ يَوْمٌ إِلَّا تَصَدَّقَ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ كَعْكَةً أَوْ بَصَلَةً أَوْ كَذَا )) ([21]) .
أنت في ظل عرش الرحمن يوم القيامة : قال : e " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ " ومنهم ((رَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ )) ([22]) .
الصدقة تطفئ غضب الرب U: قال : e ((صدقة السر تطفئ غضب الرب )) ([23]) .
ذكر الله U : قال تعالى: { وَاذكُروا الله كَثِيراً لَعَلَّكم تُفْلِحونَ } [الجمعة:10].
الذكر يحبه الرحمن : قَالَ : e ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ )) ([24]) .
الذكر يُثقل الميزان : قَالَ : e ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ )) .
الذكر يكفر الذنوب : قَالَ : e (( مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ)) ([25] ) .
بر الوالدين : قال الله تعالى:{ وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكوا بِهِ شَيْئاً وَبالْوَالِدَيْنَ إحْسَاناً }[ النساء:36] .
بر الوالدين أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الصلاة : عن ابن مسعود t قال : سَأَلْتُ النَّبِيَّ e : ((أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تعالى ؟ قال ((الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا)) قلت : ثم أي ؟ قال : ((بِرُّ الْوَالِدَيْنِ)) قلت:  ثم أي ؟ قال ((الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) ([26]) .
بر الوالدين أفضل من الجهاد في سبيل الله U : عن عَبْد اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ يَقُولُ : (( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ eفَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: " أَحَيٌّ وَالِدَاكَ " ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : " فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " )) ([27]) .
بر الوالدين وأبواب الجنان : قال : e ((الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ الْبَابَ أَوْ احْفَظْهُ )) ([28]) .
عقوق الوالدين وأبواب النيران: قَالَ : e (( " ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ومنهم (الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ) ثم قال e " وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ " ومنهم (الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ ) )) ([29]) .
وأخيراً إخواني:
قال العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ (( الخير له طرق كثيرة وهذا من فضل الله U على عباده من أجل أن تتنوع لهم الفضائل والأجور ، والثواب الكثير ، وأصول هذه الطرق ثلاثة : إما جهد بدني ، وإما بذل مالي ، وإما مركب من هذا وهذا ، هذه أصول طرق الخير . أما الجهد البدني فهو أعمال البدن ؛ مثل الصلاة ، والصيام ، والجهاد ، وما أشبه ذلك ، وأما البذل المالي فمثل الزكوات ، والصدقات ، والنفقات ، وما أشبه ذلك ، وأما المركب فمثل الجهاد فسبيل الله بالسلاح ؛ فإنه يكون بالمال ويكون بالنفس ، ولكن أنواع هذه الأصول كثيرة جداً ، من أجل أن تتنوع للعباد الطاعات ، حتى لا يملوا . لو كان الخير طريقاً واحد لمل الناس من ذلك وسئموا ، ولما حصل الابتلاء ، ولكن إذا تنوع كان ذلك أرفق بالناس ، وأشد في الابتلاء .
قال الله تعالى: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ }[البقرة:148] ، وقال تعالى :{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ}[الأنبياء:90] ، وهذا يدل على أن الخيرات ليست خيراً واحداً ، بل طرق كثيرة )) ([30]).
هذا ما تيسر إيراده، وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
 والحمد لله رب العالمين
25/ من ذى القعدة /1428 هـ
الموافق 5/من ديسمبر/2007م


[1]) نقلاً من " مجالس شهر رمضان " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( المجلس الثلاثون ) .
[2]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 3084 ) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t .
[3] )  " رياض الصالحين " (1/3) .
[4]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 4954) .
[5]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح ( 6689 ) ، والإمام مسلم ح ( 1907 ) .

([6]  " شرح رياض الصالحين " (1/62) ط ( دار الآثار ) .
[7]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 5318) .
[8]) " شرح رياض الصالحين " (1/115) ط ( دار الآثار ) .  
[9]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (6094 ) ، والإمام مسلم ح ( 2607 ) .
[10]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 9) .
[11]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 169) .   
([12] متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (497) ، والإمام مسلم ح ( 1071) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t.
[13] ) الْبَرْدَيْنِ : هما صلاة الصبح ، وصلاة العصر .
[14]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (540) ، والإمام مسلم ح ( 1005) من حديث أَبِي مُوسَى t.
[15]) (صحيح) صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ انظر حديث رقم: 2823 في " صحيح الجامع " .
[16]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (1771) ، والإمام مسلم ح ( 1944) من رواية أَبِي هُرَيْرَةَ t.
[17]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (1763) ، والإمام مسلم ح ( 1947) من حديث سهل بن سعد t.
[18]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (2628) ، والإمام مسلم ح ( 1949) من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ t . 
[19]) صحيح : رواه الإمام مسلم ـ رحمه الله ـ في " صحيحه " ح ( 1982) .    
[20]) صحيح : صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح ( 4510) .
[21]) المسند (35/205) تحت ح ( 16695 ) .
[22]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (1334) ، والإمام مسلم ح ( 1712) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t.
[23]) صحيح : صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح ( 3759)   
[24]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (6188) ، والإمام مسلم ح (4860) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t.
[25]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (5926) ، والإمام مسلم ح (4858) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ t.
[26]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (527) ، والإمام مسلم ح (85)  .  
[27]) متفق عليه : أخرجه الإمام البخاري ح (2782) ، والإمام مسلم ح (4623) .   
[28]) صحيح : صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " جامع الترمذي " ح ( 1900) .
[29]) صحيح : صححه العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في " صحيح الجامع " ح (3071)  .
[30]) " شرح رياض الصالحين " للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ ( 1/272 ) ط ( دار الآثار ) .