جديدالموقع

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ







كتبه
أبو مريم أيمن بن دياب العابديني
غفر الله تعالى له ولوالديه




     الْحَمْدُ لِلَّهِ ذِي الطَّوْلِ وَالْآلَاءِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَاتَمِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الْأَتْقِيَاءِ .
أَمَّا بَعْدُ،،،
     فيا أيها القارئ الكريم اعلم أَنَّ شَرَفَ الْمَطْلُوبِ بِشَرَفِ نَتَائِجِهِ، وَعِظَمِ خَطَرِهِ بِكَثْرَةِ مَنَافِعِهِ، وَبِحَسَبِ مَنَافِعِهِ تَجِبُ الْعِنَايَةُ بِهِ، وَعَلَى قَدْرِ الْعِنَايَةِ بِهِ يَكُونُ اجْتِنَاءُ ثَمَرَتِهِ، وَأَعْظَمُ الْأُمُورِ خَطَرًا وَقَدْرًا وَأَعُمُّهَا نَفْعًا وَرِفْدًا مَا اسْتَقَامَ بِهِ الدِّينُ وَالدُّنْيَا وَانْتَظَمَ بِهِ صَلَاحُ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى؛ لِأَنَّ بِاسْتِقَامَةِ الدِّينِ تَصِحُّ الْعِبَادَةُ، وَبِصَلَاحِ الدُّنْيَا تَتِمُّ السَّعَادَةُ. وَحُسْنُ الْخُلُقِ يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَوْ مَعْرِفَةِ كَثِيرٍ مِنْهُ كُلُّ عَالِمٍ وَعَابِدٍ وَكُلُّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، لِأَنَّهُ أُسُّ الْفَضَائِلِ وَيَنْبُوعُ الْآدَابِ. أنظر: الآداب الشرعية (1/1)، وأدب الدنيا والدين (1/1) للْمَاوَرْدِيُّ. بتصرف
معنى الخلق
     الخلق بضم اللام وسكونها الطبع والسَّجِيّةُ والخلق صورة الإنسان الباطنة أي أنه صفة نفسية داخلية وأما المظهر الخارجي لهذه الصفة النفسية فيسمي سلوكاً أو معاملة. أنظر: فضل حسن الخلق للعايد (ص5).
قَالَ الْإِمَام النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: قَالَ الْحَسَن الْبَصْرِيّ : حَقِيقَة حُسْن الْخُلُق بَذْل الْمَعْرُوف، وَكَفّ الْأَذَى، وَطَلَاقَة الْوَجْه. وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض: هُوَ مُخَالَطَة النَّاس بِالْجَمِيلِ وَالْبِشْر، وَالتَّوَدُّد لَهُمْ، وَالْإِشْفَاق عَلَيْهِمْ، وَاحْتِمَالهمْ، وَالْحِلْم عَنْهُمْ، وَالصَّبْر عَلَيْهِمْ فِي الْمَكَارِه، وَتَرْك الْكِبْر وَالِاسْتِطَالَة عَلَيْهِمْ. وَمُجَانَبَة الْغِلَظ وَالْغَضَب، وَالْمُؤَاخَذَة . شرح النووي (15/  78)، والْخَلْق عند ابن حجر-رحمه الله- هو: اِخْتِيَار الْفَضَائِل، وَتَرْك الرَّذَائِل. القاموس الفقهي (ص: 90).
أنواع الأخلاق: تنقسم إلى قسمين:
الأول: أخلاق محمودة : وهي التي اتصف بها عبادة الله الصالحون وعلى رأسهم رسول الله e وهي مثل الصدق والأمانة والحياء والحلم والتواضع وغيرها.
والثاني: أخلاق مذمومة:  من مثل الكذب والخيانة وسرعة الغضب والتكبر وغيرها.
والذي يعنينا بالكلام هنا الأخلاق المحمودة.
أبواب حسن الخلق:
     إن حسن الخلق لا يكون فقط مع الناس، بل يكون مع الله سبحانه وتعالى في الدرجة الأولى،  وحسن الخلق مع الله يكون بتصديق أخباره عز وجل مما أخبر به، أو أخبر به رسول الله e، فنصدقه ولو لم تفهمه عقولنا ويكون حسن الخلق مع الله أيضاً بتطبيق أحكامه، والصبر على ما قضى وقدَّر.
والحال الآخر لحسن الخلق  هو حسن الخلق مع الناس، وهو محل كلامنا في هذا الموضوع.أنظر: مكارم الأخلاق للعثيمين (ص13 بتصرف).
فضل حسن الخلق:
     إن من الأبواب العظيمة التي تنافس فيها المتنافسون وتسابق في ميدانها الرحب المتسابقون-حُسْنُ الْخُلُقِ- ذلك الباب العظيم الذي امتاز به ذوو العلى على أصحاب الخساسة والدّنى، إرتفع بها أقوام وسفل بها آخرون، سبيل مرضاة رب العالمين والزلفى لديه يوم الدين والقرب من خليله في جنات النعيم، وردت النصوص المتكاثرة في بيان فضله ومنزلته والحث عليه وبيان وجوهه والتحذير من ضده فيما يلي:
(1) أن الله U أثنى على نبيه e بحسن الخلق فقال I: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم/4]. وَكَانَ e خُلُقُهُ الْقُرْآنَ وَمَنْ تَخَلَّقَ بِأَوَامِرِ الْقُرْآنِ أَوْ نَوَاهِيهِ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: أَخْبَرَنَا سَعْدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ-وَكَانَ جَارًا لَهُ- أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ-رضى الله عنها-: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِى عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ e. قَالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَتْ:«خُلُق نَبِيَّ اللَّهِ e كَانَ الْقُرْآنَ»رواه مسلم ح (1773). أَيْ كَانَ خُلُقه جَمِيع مَا فُصِّلَ فِي الْقُرْآن مِنْ مَكَارِم الْأَخْلَاق، فَإِنَّ النَّبِيّ e كَانَ مُتَحَلِّيًا بِهِ .
(2) أمر I بحسن الخلق فقال U : {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ}[المؤمنون/96]، وأمر به نبيه e أمته عَنْ أَبِى ذَرٍّ t قَالَ: قَالَ لِى رَسُولُ اللَّهِ e:« اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ » صحيح الجامع ح (97). وفى رواية: « استقمْ وليَحْسُنْ خلقُك للناسِ» صحيح الجامع ح (951).  وفى رواية: « عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، مَا تَجَمَّلَ الْخَلائِقُ بِمِثْلِهَا ».الصحيحة (4/576) ح (1938).
(3) حُسْنُ الْخُلُقِ صِفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ »، وفي رواية: « صَالِحَ الأَخْلاَقِ ». الصحيحة (1/75) ح (45). قال فضيلة الشيخ عطية سالم-رحمه الله-: أن مكارم الأخلاق قدر مشترك بين النبوات وبين جميع الرسالات، ويؤيد هذا الحديث المذكور آنفاً. هناك مكارم أخلاق في الرسالات الأولى، وهناك مكارم أخلاق جاء بها الأنبياء المتقدمون، والرسول e إنما جاء يتمم ما جاء به من قبله. شرح الأربعين النووية (46/ 3).
 (4) كان e يدعو ربه بأن يهديه لأحسن الأخلاق، ويصرف عنه سيئها، ويستعيذ بالله من منكرات الأخلاق، عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ e أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ: «... اللَّهُمَّ اهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ ... » رواه مسلم ح (771). وعَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ: كَانَ النَّبِىُّ e يَقُولُ:« اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ » صحيح الجامع ح (1298). وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ t قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e يَقُولُ:« اللَّهُمَّ حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ». صحيح الجامع ح (1307).
(5) أن الله I يُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا، عَنْ سَهْلِ بن سَعْدٍ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e : « إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا». صحيح الجامع ح (1801).
(6) أَنَّ مَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ t قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ e كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ إِذْ جَاءَهُ أُنَاسٌ ، فَقَالُوا : « مَنْ أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ ؟ ، قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا » وفي رواية:« قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ الإِنْسَانُ ؟ ، قَالَ : خُلُقٌ حَسَنٌ ». الصحيحة (1/718) ح (432).
(7) أَنّ رَسُولَ اللَّهِ e يُحِبُّ من حَسُنَ خُلُقُهُ، وَيَبْغَضُ مَنْ سَاءَ خُلُقُهُ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ t أَنّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ:« إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبَكُمُ مِنِّي فِي الآخِرَةِ مَجَالِسَ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي فِي الآخِرَةِ مَسَاوِئِكُمْ أَخْلاقًا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ ». صحيح الجامع ح (1535).
(8) أَنَّ مَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ كَانَ فِي الْقِيَامَةِ مِمَّنْ قَرُبَ مَجْلِسُهُ مِنَ النَّبِيِّ e، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e، قَالَ فِي مَجْلِسٍ:« أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ » ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا، قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:«أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا». الصحيحة (2/434) ح (791).بواسطة التعليقات الحسان للألباني(1/  470).
(9) أَنَّ مِنْ أَكْثَرِ مَا يُدخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ التُّقَى وحُسْنُ الْخُلُقِ، قال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }[آل عمران/133، 134]، وَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ : سُئِلَ النَّبِىُّ e : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : « التَّقْوَى وَحُسْنُ الْخُلُقِ ». وَسُئِلَ : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ ؟ قَالَ : « الأَجْوَفَانِ : الْفَمُ وَالْفَرْجُ » الصحيحة (2/706) ح (977). وفي رواية: « أَنَا زَعِيمٌ ... بِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ » الصحيحة (1/491) ح (273).
(10) أَنَّ حُسْنَ الخُلُقِ يُحَرِّم صَاحِبَهُ على النَّارِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ : « مَنْ كَانَ سَهْلا لَيِّنًا قَرِيبًا ، حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ» صحيح الجامع ح (6360).
(11) أَنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ مَنْ كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو t يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ e فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ:« إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا » رواه البخاري ح (6035)، ومسلم ح (6177). قَالَ الْإِمَام النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: فِيهِ الْحَثّ عَلَى حُسْن الْخُلُق ، وَبَيَان فَضِيلَة صَاحِبه . وَهُوَ صِفَة أَنْبِيَاء اللَّه تَعَالَى وَأَوْلِيَائِهِ . شرح النووي (15/  78).
(12) أَنَّ حُسْنَ الخُلُق مِنْ أَفْضَلِ مَا أُعْطِيَ الْمَرْءُ فِي الدُّنْيَا، عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ t قَالَ : كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ e كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ ، مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ إِذْ جَاءَهُ أُنَاسٌ ، فَقَالُوا : « يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَفْضَلُ مَا أُعطي المرء المسلم؟ قال: حُسْنُ الخُلُق » صحيح: أنظر: التعليقات الحسان للألباني (1/  466).
(13) أَنَّ مِنْ أَكْمَلِ وَأَحْسَنِ وَأَفْضَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا مَنْ كَانَ أَحْسَن خُلُقاً، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا » الصحيحة (1/511) ح (284). وفي رواية:« أَفْضَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا» الصحيحة (3/372) ح (1384). وفي رواية:« خَيْرُكُمْ إِسْلاَماً أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقاً إِذَا فَقِهُوا » صحيح الجامع ح (3312).
(14) نَوَالُ الْمَرْء بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الْقَائِمِ لَيْلَهُ الصَّائِمِ نَهَارَهُ، عَنْ عَائِشَةَ-رضى الله عنها- قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ e يَقُولُ:« إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَاتِ قَائِمِ اللَّيْلِ صَائِمِ النَّهَارِ » الصحيحة (2/437) ح (795).
(15) أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَن مِنْ أثقِل مَا يجِدُ الْمَرْءُ فِي مِيزَانِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t عَنِ النَّبِيِّ e قَالَ: « أَثْقَلُ شَيْءٍ فِي الْمِيزَانِ الخُلُق الحَسَن » الصحيحة (2/563) ح (876). وفي رواية: « لَيْسَ شَىْءٌ أَثْقَلَ فِى الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ » صحيح الجامع ح (5390).
 (16) أَنَّ الْبِرَّ هُوَ حُسْنُ الْخُلُقِ، عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِىِّ t قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ e عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ:« الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِى صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ » رواه مسلم ح (2553).
(17) أَنَّ من كان فيه خلق حسن فلا عليه ما فاته من الدنيا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو t أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ e قَالَ:« أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلاَ عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا حِفْظُ أَمَانَةٍ وَصَدْقُ حَدِيثٍ وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ وَعِفَّةٌ فِى طُعْمَةٍ » صحيح الجامع ح (873).
(18) يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ مِنْ تَحْسِينِ الْخُلُقِ عِنْدَ طُولِ عُمُرِهِ، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِخِيَارِكُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:« خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَاراً وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلاَقاً » الصحيحة (3/286) ح (1298).
(19) أَنَّ حُسْنَ الخُلُق يعمِّر الديار ويزيد في الأعمار، عَنْ عَائِشَةَ-رضى الله عنها- أَنَّ النَّبِىَّ e قَالَ لَهَا:« إِنَّهُ مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِى الأَعْمَارِ » الصحيحة (2/34) ح (519).
(20) أَنَّ النَّاس لم يُعْطُوا شيئاً خيراً من خُلُقٍ حسن، عَنْ أُسَامَةَ بن شَرِيكٍ t قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ e بِعَرَفَاتٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، وَكَأنَ عَلَى رُءُوسِ أَصْحَابِهِ الطَّيْرُ ، فَجَاءَتْهُ الأَعْرَابُ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا : « يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَمَا خَيْرُ مَا أُعْطِيَ النَّاسُ ؟ فَقَالَ : إِنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا شَيْئًا خَيْرًا مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ » صحيح الجامع ح (1977).

ثِمَارُ حُسْنُ الخُلُقِ:
  لحسن الخلق ثمار كثيرة أهمها:
(1)            أنه إقتداء برسول الله e وامتثال لأمره وانتهاء عن نهيه.
(2)            أن الأخلاق من عناصر بقاء الأمم عزيزة قوية ، كما قال الشاعر:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت       فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
(3)             يُشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع بينما سوء الخلق يورث التباغض والتحاسد والتقاطع.
(4)            يُكَثِّرُ الأصدقاء وَيُقَلِّلُ الأعداء.
(5)            أنه سبب لجلب الرزق قال يحي بن معاذ-رحمه الله-:(في سَعَةِ الأخْلاَقِ كنُوزُ الأرْزَاق ).
(6)            أنه سبب للسلامة من مصارع السوء وهذا يؤخذ من كلام خديجة-رضي الله عنها- للرسول e حينما قالت له: ((كَلاَّ وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ )) متفق عليه، فاستدلت بمكارم أخلاقه وخصال الخير فيه على سلامته من مصارع السوء.
(7)            أنه يُزِيدُ في العمر عَنْ عَائِشَةَ-رضى الله عنها- أَنَّ النَّبِىَّ e قَالَ لَهَا:« حُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِى الأَعْمَارِ » الصحيحة (2/34) ح (519).
حُسْنُ الخُلُقِ والتعامل مع الآخرين:
     إن لحسن الخلق أثراً عظيماً في التعامل مع الآخرين، إذ به يمكنك أن تكسب حب الناس لله وطاعتهم لك، أو تأخذ من الناس ما تريد بحسن خلقك .
    ومن معاملة الناس بحسن الخلق
·        التأدب بالآداب الإسلامية العامة مثل: آداب السلام، وآداب الكلام، وآداب المجلس، وآداب الطعام، وآداب الاستئذان، وغير ذلك من الآداب.
·        مراعاة حقوق الآخرين، فيراعي حقوق الوالدين، وحقوق الأرحام، وحقوق الجار، وحقوق المعلم،  وحقوق الصديق، وحقوق الكبير، وغيرها.
والأساس في معاملة الآخرين ينبغي أن ينطلق من قاعدة: « أَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ » الصحيحة (1/112) ح (72).  لأنه « لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » متفق عليه: رواه البخاري ح (13)، ومسلم ح (45).
كيفية اكتساب حسن الخلق:       
     الإنسان يمكن أن يكون مجبولاً على خلق حسن، ويمكن أيضاً أن يكتسب هذا الخلق الحسن.
قَالَ الْإِمَام النَّوَوِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَكَى الطَّبَرِيُّ خِلَافًا لِلسَّلَفِ فِي حُسْن الْخُلُق هَلْ هُوَ غَرِيزَة أَمْ مُكْتَسَب ؟ قَالَ الْقَاضِي : وَالصَّحِيح أَنَّ مِنْهُ مَا هُوَ غَرِيزَة ، وَمِنْهُ مَا يُكْتَسَبُ بِالتَّخَلُّقِ وَالِاقْتِدَاء بِغَيْرِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ . شرح النووي (15/  78).
وقال الحافظ ابن حجر- رَحِمَهُ اللَّهُ -: قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي " الْمُفْهِم " الْخُلُق جِبِلَّة فِي نَوْع الْإِنْسَان ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتُونَ ، فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا إِنْ كَانَ مَحْمُودًا وَإِلَّا فَهُوَ مَأْمُور بِالْمُجَاهَدَةِ فِيهِ حَتَّى يَصِير مَحْمُودًا ، وَكَذَا إِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَرْتَاض صَاحِبه حَتَّى يَقْوَى . قُلْت: وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث الْأَشَجّ الْعَصْرِيّ t أَنَّ النَّبِيّ e قَالَ: " إِنَّ فِيك لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللَّه: الْحِلْم ، وَالْأَنَاة. قَالَ: يَا رَسُول اللَّه، قَدِيمًا كَانَا فِي أَوْ حَدِيثًا ؟ قَالَ: قَدِيمًا. قَالَ : الْحَمْد اللَّه الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبّهُمَا " أصل الحديث عند مسلم ح (17). فَتَرْدِيده السُّؤَال وَتَقْرِيره عَلَيْهِ يُشْعِر بِأَنَّ فِي الْخُلُق مَا هُوَ جِبِلِيٌّ ، وَمَا هُوَ مُكْتَسَب . فتح الباري - ابن حجر (10/  458).
     لذا: يمكن للإنسان أن يكتسب الأخلاق الحسنة وذلك عن طريق ما يلي:
(1) المجاهدة: بأن يجاهد نفسه على التخلُّق بالأخلاق الحسنة عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e:« إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ » صحيح الجامع ح (2328). ولاشك أن النفس تحتاج إلى مجاهدة، فإذا تمت مجاهدتها سلس انقيادها. يقول محمد بن المنكدر-رحمه الله-: (كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت) أنظر: فضل حسن الخلق للعايد (ص39).
(2) المحاسبة: بأن تحاسب نفسك كل ما رأيت أنها ارتكبت خلقاً سيئاً حاسبتها.
(3) الهمة العالية للتخلق بالأخلاق الحسنة.
(4) مصاحبة أصحاب الأخلاق الحسنة، والابتعاد عن أصحاب الأخلاق السيئة؛ لأَنَّ النَّبِىَّ e قَالَ:« الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ » الصحيحة (2/633) ح (927).   
(5) التأمُّل لما يترتب على سوء الخلق من مقت الناس لسيئ الخلق وهجرهم له، فسيئ الخلق يتضايق منه الناس حتى أهله يقول أبو حازم سلمة من دينار:( السيئ الخلق أشقى الناس به نفسه التي بين جنبيه، هي منه في بلاء، ثم زوجته، ثم ولده، حتى إنه ليدخل بيته وإنهم لفي سرور فيسمعون صوته فينفرون عنه فرقاً منه، حتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزوِ على الجدار، حتى إن قِطَهُ ليفر منه ) أنظر: فضل حسن الخلق للعايد (ص41).
(6) الدعاء بأن يرزقك الله حسن الخلق: « اللَّهُمَّ اهْدِنِى لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ ... » رواه مسلم ح (771). « اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ ... » صحيح الجامع ح (1298). « اللَّهُمَّ حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي » صحيح الجامع ح (1307).
نماذج من الأخلاق الحسنة:
أولاً: الصدق : هو من أفضل وأعظم الخصال التي يجب أن يتحلى بها المؤمن فهو لا يعرف إلا بصدقة وهو دليل على إيمانه قال تعالى: } يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ{ [التوبة/119]. والتزام الصدق من أهم الأعمال التي تؤدي إلى دخول الجنة وقد دعا الرسول e أصحابه إلى التحلي بالصدق والتمسك به قَالَ e:« عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا » رواه مسلم ح (2607).
ثانياً: الأمانة : وهي قرينة الصدق، ولا أمانة لمن لا صدق له، ولا صدق لمن لا أمانة له، والأمانة هي القيام بجميع التكاليف والالتزامات الاجتماعية والأخلاقية، قال تعالى (( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)) [النساء/58]، وقال تعالى (( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)) [المعارج/32]، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ t قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِىُّ اللَّهِ e إِلاَّ قَالَ:« لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ » صحيح الجامع ح (7179). تقرير منه e في أن عدم الالتزام بخلق الأمانة ينافي كمال الإيمان.
ثالثاً: الحياء : وهو الامتناع عن فعل ما يستقبح والكف عن كل مالا يرضي الخالق والمخلوق والحياء من الإيمان والحياء لا يأتي إلا بخير وخلق الإسلام الحياء، وكان e أشد حياء من العذراء في خدرها . قَالَ e: « الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِى إِلاَّ بِخَيْرٍ » متفق عليه. وفي رواية:« الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ » رواه مسلم ح(166). وفي رواية:«الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، وَالْإِيمَانُ فِي الْجَنَّةِ...» الصحيحة (1/813) ح (495). وفي رواية:« لِكُلِّ دِينٍ خُلُقٌ وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ » الصحيحة (2/654) ح ( 940 ).
رابعاً: الحلم: وهو ضبط النفس عند الغضب والصبر على الأذى من غير ضعف ولا عجز قَالَ e: « مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ اللَّهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ » صحيح الجامع ح (6518). وقال لقمان لابنه يا بني:( ثلاثة لا يعرفون إلا عند ثلاثة لا يعرف الحليم إلا عند الغضب ولا الشجاع إلا عند الحرب ولا الأخ إلا عند الحاجة) أنظر: المستطرف (1/419).
خامساً: التواضع : وهو ضد الكبر وهو احترام الناس وتقديرهم وعدم التعالي عليهم أو الاستخفاف بهم وهو من الصفات الحميدة التي يجب أن يتحلى بها كل مسلم والتواضع يدل على حسن الخلق وإذا تواضع الإنسان رفعه الله قَالَ e:« وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ » رواه مسلم ح (2588).
سادساً: الصبر: وهو قوة الإرادة والرضا بقدر الله والقدرة على احتمال المكاره وعدم الجزع من المصائب وقد حثنا سبحانه على الصبر وأثنى على من اتصف به فقال سبحانه:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }[البقرة/53]، وقال سبحانه: { وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ}[ لقمان/17]، وقال: { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[ الزمر/10]. وَقَالَ e:« مَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ » متفق عليه. وأنت يا أخي تحتاج للصبر في طلبك للعلم، وفي أدائك للعمل، وفي الفقر والغني، وفي طاعة الله، وعند معصية الله، وفي البلاء والمحن.
الأسوة الحسنة:
     لقد كان رسول الله e مضرب المثل والقدوة الحسنة في حسن الخلق فلقد أثنى عليه ربه عز وجل في كتابه:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم/4]، وامتن سبحانه عليه بأن حسن خلقه فجعله ليناً للمؤمنين فقال:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران/159]، ووصفه سبحانه بالرأفة والرحمة على المؤمنين وهذا من حسن الخلق فقال عز وجل:{ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة/128] . وحينما سُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ e فَقَالَتْ: « كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ » رواه مسلم ح (746).
فلقد صار امتثال القرآن أمراً ونهياً  خلقاً له، فما أمره به ربه فعله وما نهاه عنه تركه وما ذكر سبحانه له من خلق حسن إلا واتصف به وما ذكر له من خلق سيئ إلا ابتعد عنه.
 وأثنى الصحابة على حسن خلق رسول الله e عَنْ عَائِشَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: « لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ e فَاحِشاً، وَلاَ مُتَفَحِّشاً، وَلاَ صَخَّاباً فِى الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُجْزِى بِالسَّيِّئَةِ مَثْلَهَا، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ» المشكاة ح(5820). وَعَنْها - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-  قَالَتْ: « مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ e شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ خَادِمًا، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَىْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يُنْتَهَكَ شَىْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» رواه مسلم ح (2328). وهذا أَنَس t قَالَ: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ e مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا » متفق عليه.
والصحابة كذلك كانوا مضرب المثل في حسن الخلق ولا عجب في هذا فقد رباهم رسول الله e وورثوا عنه الأخلاق الحسنة، لقد أثنى الله عليهم بأخلاق حسنة فقال:{رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ }[الفتح/29]، وقال:{أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ }[المائدة/54].
     وأخيراً أقول: قَالَ الْحَسَنُ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْأَخْلَاقُ لِلْمُؤْمِنِ قُوَّةٌ فِي لِينٍ ، وَحَزْمٌ فِي دِينٍ ، وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ ، وَحِرْصٌ عَلَى الْعِلْمِ ، وَاقْتِصَادٌ فِي النَّفَقَةِ ، وَبَذْلٌ فِي السَّعَةِ ، وَقَنَاعَةٌ فِي الْفَاقَةِ ، وَرَحْمَةٌ لِلْجُمْهُورِ ، وَإِعْطَاءٌ فِي كَرَمٍ وَبِرٌّ فِي اسْتِقَامَةٍ. أنظر: الآداب الشرعية (2/314).
هذا والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
الانتهاء في
صباح 8/ من شعبان / 1432هـ
الموافق 9/ من يوليو / 2011م