جديدالموقع

ولاة الأمر والصبر على جورهم-إن وجد-وعدم الخروج عليهم








كَتَبَهُ
أَبُو مَرْيَمَ أَيْمَنِ بْنِ دِيَابٍ بْنِ مَحْمُودٍ اَلْعَابِدِينِي
غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ ،ولِوَالدَيْهِ ،ولِمَشَايخِهِ ،ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ

                                               
     إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ   "سورة آل عمران"الآية (102) "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا "سورة"النساء"الآية(1) " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فوزا عظيما" سورة"الأحزاب"الآية (70-71)  .
،،،   أما بعد ،،،
     فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ،  وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
،،،   أما بعد ،،،
فاعلم-عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله-تعالي-، ونقم الله لا تلاقي بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب .

إن نقم الله متي لقيت بالسيوف كانت هي أقطع .

قال مالك بن دينار-رحمه الله- أن الحجاج كان يقول:"اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً أحدث الله في سلطانكم عقوبة".([1]) .


الصبر على جورهم-إن وجد-وعدم الخروج عليهم([2]):
قال الحسن البصري-رحمه الله-:(اعلم-عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله-تعالي-، ونقم الله لا تلاقي بالسيوف، وإنما تتقي وتستدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب ).

إن نقم الله متي لقيت بالسيوف كانت هي أقطع . ولقد حدثني مالك بن دينار-رحمه الله- أن الحجاج كان يقول:"اعلموا أنكم كلما أحدثتم ذنباً أحدث الله في سلطانكم عقوبة".([3]) .

وعن سويد بن غفلة –رحمه الله-قال:(قال لي عمر Untitled يا أبا أمية، إني لا أدري لعلي لا ألقاك بعد عامي هذا، فإن أمر عليك عبد حبشي مجدع، فاسمع له وأطع، وإن ضربك فاصبر، وإن حرقك فاصبر، وإن أراد أمراً ينقص دينك فقل: سمع وطاعة، دمي دون ديني ، ولا تفارق الجماعة([4])).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- في " منهاج السنة ":( ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج عن الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي  ([5]) لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة. فلا يدفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما ولعله لا يكاد يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته)أهـ ([6]). 
قلت: إن أهل السنة والجماعة يرون أن ولي الأمر له الولاية حتى مع هذه الأمور كلها، وأن له السمع والطاعة، وأنه لا تجوز منابذته ولا إيغار الصدور عليه، ولا غير ذلك مما يكون فساده أعظم وأعظم([7]).
والشر ليس يُدفع بالشر؛ ادفع الشر بالخير ، أما أن تدفع الشر بشر، فإن كان مثله فلا فائدة، وإن كان أشر منه كما هو الغالب في مثل هذه الأمور، فإن ذلك مفسدة كبيرة. نسأل الله أن يهدي ولاة أمورنا وأن يهدي رعيتنا لما يلزمها، وأن يوفق كلاًّ منهم لقيام بما يجب عليه.
قال شيخ الإسلام-رحمه الله- في"مجموع الفتاوى" (3/302):(وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ بِمَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَ الْخُرُوجُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ بِالسَّيْفِ ؛ لِأَجْلِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ؛ لِأَنَّ مَا يَحْصُلُ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ وَاجِبٍ أَعْظَمَ مِمَّا يَحْصُلُ بِفِعْلِهِمْ الْمُنْكَرَ وَالذُّنُوبَ).
وقال -رحمه الله- في" منهاج السنة " (2/241):(وقل من خرج على إمام ذي سلطان؛ إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير).
وقال الحافظ ابن حجر-رحمه الله- في "الفتح" (13/7):(وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاء عَلَى وُجُوب طَاعَة السُّلْطَان الْمُتَغَلِّب وَالْجِهَاد مَعَهُ وَأَنَّ طَاعَته خَيْر مِنْ الْخُرُوج عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حَقْن الدِّمَاء وَتَسْكِين الدَّهْمَاء).
قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب Untitled:(لابد للناس؛ من إمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة عرفناها فما بال الفاجرة؟! قال: يؤمن بها السبل وتقام بها الحدود ويجاهد بها العدو ويقسم بها الفيء)([8]).
وقال الإمام الطحاوي-رحمه الله-:(وَلَا نَرَى الْخُرُوجَ على أَئِمَّتِنَا وَوُلَاة أُمُورِنَا، وَإِنْ جَارُوا ، وَلَا نَدْعُو عَلَيْهِمْ، وَلَا نَنْزِعُ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِمْ ، وَنَرَى طَاعَتَهُمْ مِنْ طَاعَة الله عَزَّ وَجَلَّ فَرِيضَة، مَا لَمْ يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَة، وَنَدْعُوا لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْمُعَافَاة )([9]).
وَقَالَ ابن قُدامة-رحمه الله-فِي"المغني" (9/5):(مَسْأَلَةٌ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ-رَحِمَهُ اللَّهُ-:(وَإِذَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إمَامٍ ، فَمَنْ خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَطْلُبُ مَوْضِعَهُ ، حُورِبُوا ، وَدُفِعُوا بِأَسْهَلِ مَا يَنْدَفِعُونَ بِهِ ) وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَنْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إمَامَتِهِ وَبَيْعَتِهِ ، ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ ، وَوَجَبَتْ مَعُونَتُهُ ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَدِيثِ وَالْإِجْمَاعِ ، وَفِي مَعْنَاهُ ، مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِعَهْدِ النَّبِيِّ أَوْ بِعَهْدِ إمَامٍ قَبْلَهُ إلَيْهِ ، فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَيْعَتِهِ ، وَعُمَرَ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إلَيْهِ ، وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَبُولِهِ .
     وَلَوْ خَرَجَ رَجُلٌ عَلَى الْإِمَامِ ، فَقَهَرَهُ، وَغَلَبَ النَّاسَ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَقَرُّوا لَهُ، وَأَذْعَنُوا بِطَاعَتِهِ ، وَبَايَعُوهُ ، صَارَ إمَامًا يَحْرُمُ قِتَالُهُ ، وَالْخُرُوجُ عَلَيْهِ ؛ فَإِنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ ، خَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ ، فَقَتَلَهُ ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا ، حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكُرْهًا ، فَصَارَ إمَامًا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ ؛ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ ، وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ ، وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ ، وَيَدْخُلُ الْخَارِجُ عَلَيْهِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:{مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، وَهُمْ جَمِيعٌ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ، كَائِنًا مَنْ كَانَ}.
فَمَنْ خَرَجَ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ بَاغِيًا ، وَجَبَ قِتَالُهُ ...).أهـ.
قلت: واعلم أن من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. قال الإمام أحمد-رحمه الله-:(ومن غلب عليهم - يعني الولاة - بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين؛ فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجرا)([10]).
وذلك لما يترتب على الخروج على الولاة من مفاسد كثيرة منها:
     إراقة الدماء، وهتك الأعراض، ونهب الأموال، وقطع للسبل، وتسلط للسفهاء، وانتشار للجهل، ورِفعة للجُهال، ونقص في العلم، وغربة لأهله، وضعف الدين وغربته، وتعطيل لصلوات الجماعة في المساجد، وتعطيل لدروس العلم، وكل لون من ألوان الفساد في الأرض.
وقال العلامة ابن عثيمين-رحمه الله-:( فالله الله في فهم منهج السلف الصالح في التعامل مع السلطان ، وأن لا يتخذ من أخطاء السلطان سبيلاً لإثارة الناس وإلى تنفير القلوب عن ولاة الأمور ؛ فهذا عين المفسدة ، وأحد الأسس التي تحصل بها الفتنة بين الناس.
     كما أن ملء القلوب على ولاة الأمر يحدث الشر والفتنة والفوضى ، وكذا ملء القلوب على العلماء يحدث التقليل من شأن العلماء، وبالتالي التقليل من الشريعة التي يحملونها.
     فإذا حاول أحد أن يقلل من هيبة العلماء وهيبة ولاة الأمر؛ ضاع الشرع والأمن؛ لأن الناس إن تكلم العلماء؛ لم يثقوا بكلامهم ، وإن تكلم الأمراء؛ تمردوا على كلامهم ، وحصل الشر والفساد.
فالواجب أن ننظر ماذا سلك السلف تجاه ذوي السلطان ، وأن يضبط الإنسان نفسه ، وأن يعرف العواقب.
وليعلم أن من يثور إنما يخدم أعداء الإسلام؛فليست العبرة بالثورة ولا بالانفعال ، بل العبرة بالحكمة، ولست أريد بالحكمة السكوت عن الخطاء ، بل معالجة الخطأ ؛ لنصلح الأوضاع؛ لا لنغير الأوضاع؛ فالناصح هو الذي يتكلم ليصلح الأوضاع لا ليغيرها). أهـ ([11]).
قلت: وبيانًا لحال الخوارج يقول شيخ الإسلام-رحمه الله-(وظهرت الخوارج بمفارقة أهل الجماعة واستحلال دمائهم وأموالهم) "كتاب النبوات"ص(129).
وقال الحافظ ابن كثير-رحمه الله تعالى-:(فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالاً لم يفعلها غيرهم) (البداية والنهاية)(3/294) وانظر"الخوارج" للسعوي ص(191).
"ولقد عرفت الخوارج بـ"حماستهم لمبدئهم، وتعصبهم لعقيدتهم، فقد كانوا من أخلص الناس لعقيدتهم، ومن أبسل الناس في الدفاع عنها مما جعلهم يندفعون وراء فكرتهم غير مبالين بما ينالهم في سبيلها من قتال أو طرد أو اضطهاد، ولذلك صار الخوارج رجالاً ونساء -انظر صمود نسائهم"البداية والنهاية"(9/12-15)- مثلاً في الشجاعة والجرأة، والمتتبع لتاريخهم يجد ألواناً من البطولة والتضحيات، فقد كانت الفئة القليلة منهم تتصدى للجيوش العظيمة فلا ينالون منها إلا بعد عناء وزحوف ومعارك كثيرة دامية؛ غير أن هذا كان في وجه المسلمين!!!وهذا كله نابع من اعتقادهم أن مذهبهم هو الحق الذي لا يجوز غيره، ولا يقبل الله ديناً سواه فتبرءوا من كل مسلم لا يسلك مسلكهم، وسلوا سيوفهم وأشهروها في حرب المسلمين، قائدهم في هذا كله الهوى ورائدهم الشيطان، لهذا كانوا (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان) كما أخبر النبي-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-.
وقال عمر بن عبد العزيز-رضي الله تعالى عنه- في مناظرته لهم، لم يفتحوا بلاداً من بلاد الكفار، ولم يجاهدوهم ولم يقاتلوهم بل تركوا قتال المشركين واشتغلوا بقتال المسلمين-انظر"الفتح"(12/301)-ولم يخدموا العلم ولا الدين، فهم والله أتباع الشيطان، وهو حاديهم وسائقهم وقائدهم، لعبت بهم شياطين الجن والإنس في كل فترة يظهرون فيها من فترات التاريخ، استغلوا حماسهم المقرون بالجهل والتعصب فوجهوه ضد المسلمينوفي هذا عبرة للمعتبرين، فاعتبروا يا أولي الأبصار ودققوا النظر وعليكم بالحذر" "بتصرف من "الخوارج" للسعوي ص (193-195). 
قال الأشعري عنهم-أي : الخوارج-"ولا يرون إمامة الجائر" "المقالات"(1/204).
ويقول أيضاً الشهرستاني عنهم:"وإن غير السيرة وعدل عن الحق وجب عزله أو قتله" "الملل والنحل "(1/116).
بل نقل البغدادي عن الكعبي:أن من الأمور التي أجمعت عليها الخوارج إجماعهم على"وجوب الخروج على الإمام الجائر""الفرق بين الفرق" ص (73).
وفي هذا يقول الإمام أبو محمد بن حزم-رحمه الله تعالى-:(ولكن حق لمن إحدى يمينه ذو الخويصرة الذي بلغ ضعف عقله وقلة دينه إلى تجويره رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-في حكمه والاستدراك، ورأى نفسه أورع من رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-هذا وهو يقر أنه رسول الله-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-إليه ، وبه اهتدى، وبه عرف الدين، ولولاه لكان حماراً أو أضل) "الفصل"(4/157).
"فإذا كان هذا حال سلفهم، فكيف بمن بعدهم من الخلفاء ؟! ولهذا فهم قلما يثبتون على إمام ويخضعون له خضوعاً تاماً إلا قليلا، فنتج عن هذا كثرة خروجهم وحروبهم"بتصرف. قاله العواجي في كتابه"الخوارج"ص(423).
ومن غرائبهم ما يروى عن الفرقة العوفية فقد اعتبرت كفر الإمام سبباً في كفر رعيته، وذلك في قولهم:(إذا كفر الإمام كفرت الرعية، الغائب منهم والشاهد) "مقالات الإسلاميين"(1/94).
وانظر كذلك ما قالته إحدى فرقهم-البيهسية-في"الفصل"(4/190) ولكن قالت"الإباضية"-وهي إحدى فرق الخوارج-(يجب على الأمة المسلمة أن تقييم دولة عادلة، فإذا كانت الدولة القائمة جائرة، جاز البقاء تحت حكمها وتجب طاعتها في جميع ما لا يخالف أحكام الإسلام، على أنه ينبغي للمسلمين أن لا يستنيموا على الظلم وإنما ينبغي لهم أن يحاولوا تغيير الحكم إذا كان ذلك لا يسبب في إحداث أضرار جسيمة) "الإباضية بين الفرق"ص(292).
وانظر جملة من أقوالهم بهذا القول في "الخوارج للعواجي ص (426) وقارن بينه وبين ما يدندن به دعاة القطبية اليوم، تعجب ، ثم سل الله الثبات على دينه هذا وقد اتفقت كلمة أهل السنة بل وغيرهم على انعقاد إمامة المفضول مع وجود الفاضل.
وفي ذلك يقول الإمام ابن حزم-رحمه الله تعالى-:(ذهبت طوائف من الخوارج ، وطوائف من المعتزلة ، وطوائف من المرجئة ، منهم محمد بن الطيب الباقلاني ومن تبعه وجميع الرافضة من الشيعة إلى أنه لا يجوز إمامة من يوجد في الناس أفضل منه، وذهبت طائفة من الخوارج وطائفة من المعتزلة وطائفة من المرجئة وجميع الزيدية من الشيعة وجميع أهل السنة إلى أن الإمامة جائزة لمن غيره أفضل منه) "الفصل "(4/163).
هذا.. ولا يزال فكر الخوارج ينخر في جسد المجتمع المسلم الطاهر([12]) ويعدُّ سيد قطب أقنوم التكفير وحامل لوائه في هذا العصر، وتعدُّ كتبه ينبوع الشرِّ، ومعول هدم؛ مما جعل العلامة ابن باز-رحمه الله-يوصي بحرقها لضررها([13]) وقامت بعض المجتمعات الإسلامية بمنع نشرها وتداولها، إلا أن البعض لا يزال يلهث ورائها يحسبها ماءا وهي سراب كاذب-وقد تدركه منيته وهو يسير إلى حتفه، ولجهله لم يقف على حقيقة الأمر-كان الله لنا وله. وعلى كل حال يرجع البعض الأسباب العامة في ظهور الخوارج في هذا العصر إلى:
1.     قلة الفقه في الدين، أو أخذ العلم على غير نهج سليم.
2.     الغلو في الدين ([14]) والتنطيع-أي: التشديد في الدين.
3.     الغيرة غير المتزنة العاطفة بلا علم ولا حكمة-.
4.     الابتعاد عن العلماء وجفوتهم وترك التلقي عنهم والإقتداء بهم.
5.     التعالم والغرور والتعالي على العلماء وعلى الناس.
6.     حداثة السن وقلة التجارب.
7.     شيوع المنكرات والفساد والظلم في المجتمع، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو التقصير فيه.
8.     النقمة على الواقع وأهله.
9.     تحدي الخصوم واستفزازهم للشباب والدعاة ( المكر الكبار) وكيدهم للدين وأهله ( قلت: هذا كلام مجمل يحتاج إلى تفصيل وبيان).
10. قلة الصبر وضعف الحكمة في الدعوة. "الخوارج مناهجهم وأصولهم وسماتهمقديماً وحديثاً-وموقف السلف منهم"للدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل ص(85-86).
     وقال ص(44)"ونزعات الخوارج بدأت تظهر في بعض الجماعات القائمة اليوم كالتكفير والهجرة ونحوهم".
قلت:"التكفير والهجرة" في هذه الآونة صارت أثراً-سيئاً-بعد أن كانت عين آثمة، فبقي لنا من كلام الشيخ عبارة "نحوهم" وهم: بقايا فكر الجهاد، وأفول من"الجماعة الإسلامية"ولم يبقي من ربائب التكفير في حجره -ذو روح- إلا العقيمة القطبية -قطع الله دابر الخوارج في كل عصر ومصر- إن لم يهدهم، والأمر لله من قبل ومن بعد ([15]).
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل


(1) من كتاب (( آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : ( ص 119 – 120 )  .
(2) قلت: الأسباب التي يراها خوارج العصر الجدد  في إباحة الخروج علي ولاة أمر المسلمين هي ؟
أولاً: وجود الكفار في دول المسلمين وهم على أنواع :
(1) إما مستوطنون .
(2) وإما عمالة .
(3) وإما قواعد عسكرية .
       وقد قال ((أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَب))متفق عليه.
ثانياً: انتشار المعاصي والاستمرار عليها وفتح بعض المؤسسات لها كالبنوك وغيرها (وهذا كفر عندهم) لأن فتحهم للمؤسسات والاستمرار في المعاصي دليل على الرضا والرضا كفر.
ثالثاً: لابد أن تكون هناك خلافة راشدة ولا تنتزع من القرشيين (ويرون أن من يمكنه تنفيذ ذلك هي الجماعات الدينية فقط وأما حكام اليوم فكلهم خونة وهم مغتصبون ، ولا يقبل منهم صرف ولا عدل ).لحديث : ((الأئمة من قريش )).
رابعاً: الدولة تمنع الكلمة الصادقة وتحجز الحريات وبالذات لأهل الدين وتفتح ذراعيها لأهل العلمنة والفساد يأخذوا حريتهم كما يشاءون .
خامساً: الدولة لم تهتم بشعوبها ولم تقم لهم وزنا والأموال تمنعها عنهم وكذا لا يوجد للشباب وظائف وتقيم كل الحواجز لإعاقة كل إصلاح لهذا الأمور في البلد.
سادساً: الدولة تغدق الأموال الطائلة في الخارج لأجل مصالح أمريكية ونحوها .
سابعاً: الدولة تحكم بالقوانين الوضعية .
ونجيب باختصار عما مضى فنقول :
(1) نقول ما ذكروه منها ما هو خطأ ومنها ما هو معصية (كبيرة من الكبائر ) لكن لا يصل إلى الكفر المخرج من الملة ومنه ما فيه تجني على الدولة كقولهم أنها تحكم القوانين الوضعية وإذا ثبت ذلك فلا يجوز الخروج على الحاكم لأجل المعاصي إجماعا حكاه غير واحد من أهل العلم وإنما الواجب المناصحة الشرعية في السر لولي الأمر من أهل العلم ففي حديث عياض بن غنم قال: قال: ((من كان له نصيحة لذي سلطان فليأخذ بيده وليكلمه فيما بينه وبينه فإن قبل فبها وإلا فقد أدى الذي عليه ))أو كما قال . وقد رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة وحسنه العلامة الألباني-رحمه الله .والمناصحة الشرعية كما قال شيخنا ابن باز-رحمه الله-:((تكون إما بمناصحته أو بمكاتبته أو بمهاتفته أو بالدخول على عالم يدخل عليه)) .
(2) لا يجوز التعرض للمعاهدين والذميين والمستأمنين في البلاد لأن فيه افتئات على صلاحيات ولي الأمر حيث أنهم قد دخلوا بعهود منه ومواثيق وللحاجة يجوز بقاؤهم ما احتاج إليهم ولي الأمر ثم يخرجون وقد أبقى النبي يهود خيبر وعاملهم في الأرض لمدة حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه والجزيرة المقصود بها كما قال الجمهور : مكة والمدينة واليمامة وتبوك وفدك وخيبر واليمن من الجزيرة ومع ذلك لم يدخلها العلماء كم نقل ذلك عنهم ابن حجر في الفتح وكذا به قال ابن تيمية والنهي منصب على ما إذا أقاموا لإقامة دائمة أو بنوا لهم الكنائس . ولو حصل ذلك الأمر من ولي الأمر فهي معصية لا يجوز التعدي عليه لأنه لا يوجب له الكفر. وكذلك لا يجوز قتل المعاهدين شرعا :فالنبي يقول : ((مَنْ قَتَلَ مُعَاهِدًا فِي غَيْرِ كُنْهِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) صحيح: رواه أبو داود بهذا اللفظ وهو وصححه العلامة الألباني-رحمه الله- في"صحيح الترغيب والترهيب" ح (2453).
(3) وقولهم الأئمة في قريش فهو صحيح ولكن هذا عند الإختيار والمفاضلة ولكن لو حصل وتغلب آخر ليس قرشيا فلا يجوز الخروج عليه وقد ذكر الإجماع على هذا : الإمام النووي ومحمد بن عبد الوهاب-رحمهم الله- وغيرهما.
(4) وكون ولي الأمر يمنع الكلمة الصادقة كما يقولون فنسألهم ونقول ما هي الكلمة الصادقة عندكم ؟أهي الافتئات على ولي الأمر ؟ أو الغلو في الأحكام ؟ أو الولوج في السياسة ؟ أم ماذا تقصدون ؟ فنقول :إن منعك ولي الأمر من التعدي على صلاحياته فهذا حق من حقوقه أنت تعديته ولا يجوز لك بحال
     أو الغلو ا فله أن يمنعك منه لأن الغلو منهي عنه قال تعالى : {يا أهل الكتاب لا تغلو في دينكم }وقال : ((وإياكم والغلو ))أو الإفراط في أمور السياسة بين الدول فكل هذا حق منه أن يوقفك لأن هذا من صلاحياته وهذا ولاشك تعد منك .
ثم ينظر لولي الأمر والحكم عليه شرعا في منعك فنقول :
إما أن يمنعك من كلمة الحق ولذلك حالتان :
(1) إما أن يمنعك من قول كلمة الحق وهناك غيرك يبلغها فله هذا لما ثبت من قول عمار لعمر Untitled في حادثة التيمم من الجنابة وقد نسي الحكم عمر فذكره به عمار فقال عمار إن شئت أن لا أحدث به لم أحدث قال عمر بل نوليك ما توليت .
(2) وإما أن يمنعك من قول الحق وليس هناك غيرك والناس بحاجة إليه فلا يجوز ويكون الأمر بينه وبين الله. وأنت عليك أن تمتنع ولا بأس أن تسأل عن الأمر بالتي هي أحسن (بنحو هذا قاله العلامة ابن عثيمين-رحمه الله ).
(3) وإما أن يمنعك من قول الباطل : فنقول جزاه الله خيرا فقد أحسن في منعك من الباطل .
ثانياً: الأسباب التي أدت إلي ظهور فكر خوارج العصر الجدد ؟
الأسباب الحقيقة لظهور الخوارج كما يراها أهل السنة السلفيين تنقسم الأسباب إلى قسمين:
الأول:أسباب داخلية :
(1)التهييج الحاصل من دعاة الفتن على ولاة الأمر لسنين عديدة مضت وربوا الشباب على هذا فأصبح منهجا لهم لا ينفكون عنه .
(2) الطعن في علماء الأمة بأنهم لا يمثلون شعوبهم فهم مفتون للسلطان وهذا الطعن على نوعين :
(أ) طعن صريح .                                                                                     
(ب) طعن مبطن .
(3) وجود الفرق الحزبية (الأخوان المسلمون والسرورية والتبليغ والصوفية والوسطية المدعاة وغيرها وكل يريد الأمر له ).
(4) تأثير كتب الفكر وأمثالها على عقول الشباب مثل كتب سيد قطب وغيرها .
(5) الولوج في أمور السياسة وإشغال الناس بها عن دينهم والتعبد لربهم .
الثاني: أسباب خارجية :
(1) تأثير بعض القنوات الفضائية التي يتزعمها أناس منحرفون فكريا وعقديا أمثال الفقيه والمسعري ومن على شاكلتهما ممن يتسمون بالإصلاحيين كذبا وزورا وهم من الإصلاح بمنأى بل هم دعاة فتنة وقد حكم عليهما الشيخ ابن باز-رحمه الله- بالانحراف وهكذا كل علماء الأمة الأكابر الثقات ولو كانوا كما يزعمون إصلاحيين لما ذهبوا ليعيشوا في بلاد الكفر لندن وغيرها فالمصلح يسعى في بلده بالإصلاح بالتي هي أحسن للتي هي أقوم لا بتأجيج الفتن وإثارتها في العوام والخواص وهؤلاء سعوا للفتنة بكل ما أوتي من قوة ولكن والحمد لله كما نرى جميعا فطريق الباطل وإن طال أمده لابد أن ينقضي وينتهي من حيث بدأ .
(2) وجود من يحرك هذه الفرق من الخارج كفارا أو أتباعا لهم من العلمانيين أو كانوا من الحزبيين وكل منهم يسعى للتغير حسدا وبغضا وليس للإصلاح المدعى وجميعهم على قسمين :
الأول: أهل شهوات: فأهل الشهوات يسعون لتمكين شهواتهم في البلاد.
الثاني: أهل شبهات : وأهل الشبهات يسعون أيضا لبلبلة أفكار الشباب والفتيات .
     ولم يتحقق لكم شيئا يذكر فوجد في بعض الدهماء وهم قلة مقابل من لا يؤمن بأفكارهم والحمد لله قبولا فسارعوا لنشر أفكارهم المنحرفة والعياذ بالله لكن سرعان ما يعرف الناس الحق والحمد لله فيؤوبون إليه وهاهم جماعات التائبين والحمد لله كثر .نقلاً بواسطة المرقوم لأبي عاصم (ص242ـ245) بتصرف بسيط.
(3) من كتاب (( آداب الحسن البصري )) لابن الجوزي : ( ص 119 – 120 )  .
(4) قلت:وَقَالَ الإمام الآجري-رحمه الله- : فِي الشريعة (ص40):" من أُمِّر عليك من عربي أو غيره، أسود أو أبيض، أو أعجمي، فأطعه فيما ليس لله عَزَّ وَجَلَّ فيه معصية، وإن ظلمك حقًّا لك، وإن ضربكَ ظلمًا، وانتهكَ عرضك وأخذ مالك، فلا يَحملك ذَلِكَ عَلَى أنه يَخرج عليه سيفك حتَّى تقاتله، ولا تَخرج مع خارجي حتَّى تقاتله، ولا تُحرِّض غيرك عَلَى الخروج عليه، ولكن اصبر عليه" . أهـ .
وَقَالَ أيضًا -رحمه الله-:(ص37):" قد ذكرت من التحذير عن مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لِمن عصمه الله عَزَّ وَجَلَّ الكريم، عن مذهب الخوارج، ولَم ير رأيهم وصبر عَلَى جَوْر الأئمة، وحَيْف الأمراء، ولَم يَخرج عليهم بسيفه، وسأل الله العظيم كشف الظلم عنه، وعن جَميع المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحجَّ معهم، وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى خلفهم الجمعة والعيدين، وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم أطاعهم، ولِمن لَم يُمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروه بِمعصية لَم يطعهم، وإذا دارت بينهم الفتن لزم بيته، وكفَّ لسانه ويده، ولَم يَهو ما هُم فيه، ولَم يُعن عَلَى فتنته، فمن كَانَ هذا وصفه كَانَ عَلَى الطريق المستقيم إن شاء الله تعالَى". أهـ . كلام قيم مأجور من الإمام الآجري-رحمه الله- فيا ليت خوارج العصر يعقلوا.
(5) قلت: وإليك بعض النصوص الدالة على الصبر، والآمرة به والمحذرة من الخروج والناهية عنه .
     (1) ففي صحيح مسلم عَنْ نَافِعٍ قَالَ جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ Untitled إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:(مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)(صحيح مسلم كتاب الإمارة، الباب رقم (13) رقم الحديث (1851)).
     (2) وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍUntitled عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ:(مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا فَمَاتَ عَلَيْهِ إِلَّا مَاتَ  مِيتَةً جَاهِلِيَّةً)(صحيح مسلم كتاب الإمارة، الباب رقم (13) رقم الحديث (1849)).
     (3) وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ Untitled عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:(مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً فَقُتِلَ فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ)(صحيح مسلم كتاب الإمارة، رقم الحديث (1848)).
     (4) وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي إدريس الخولاني قال سمعت حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ Untitled قَالَ :(كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ عَنْ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ: " نَعَمْ "  قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: " نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ " قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ:" قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ" قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: " نَعَمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا" قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: " هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا" قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: " تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ" قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ )).
وفي رواية أبي سلام عنده ـ يعني مسلماً ـ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ: "نَعَمْ " قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ ؟ قَالَ: "نَعَمْ " قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ ؟ قَالَ: "نَعَمْ " قُلْتُ: كَيْفَ ؟ قَالَ:"يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ" قَالَ قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ" )(صحيح مسلم كتاب الإمارة، رقم الحديث (1847)).
    (5) وفي صحيح مسلم عَنْ عَرْفَجَةَ Untitled قال: سمعت رسول الله يقول: (إِنَّهُ سَتَكُونُ هَنَاتٌ وَهَنَاتٌ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُفَرِّقَ أَمْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهِيَ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ)( صحيح مسلم، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهي مجتمعة.).وفي رواية عنه أي عَنْ عَرْفَجَة َUntitled :(مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ).
    (6) وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ Untitled قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :(إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا)( صحيح مسلم رقم الحديث (1853) باب إذا بويع لخليفتين).
    (7) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ-رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:(سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ قَالُوا:" أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ " قَالَ: " لَا مَا صَلَّوْا").وفي رواية:(فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِم)(صحيح مسلم رقم الحديث (1854) باب: وجوب الإنكار على الولاة فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا).
    (8) وعن عوف بن مالك Untitled عن رسول الله قال:(خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالُوا: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ ؟ قَالَ:" لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ لَا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلَاةَ" أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ)(صحيح مسلم. باب خيار الأئمة وشرارهم ـ رقم الحديث (1855).).
    (9) وفي حديث عبادة بن الصامت Untitled قال:(دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ)( صحيح مسلم. الحديث رقم (1840)).
    (10) وفي حديث أبي هريرة Untitled عَنْ النَّبِيِّ قَال: (كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الْأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ تَكْثُرُ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ)( صحيح مسلم الحديث رقم (1842).
   (11) وفي حديث عبد الله بن عمرو بن العاص Untitled الطويل مرفوعاً قَال:(وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطِعْهُ إِنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ)(صحيح مسلم. حديث رقم (1844)).
فهذه أحد عشر حديثاً جمعتها من صحيح مسلم فقط وهي كالتالي:
(1) حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب-رضي الله عنهما.
(2) حديث عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما.
(3) حديث عن أبي هريرة Untitled .
(4) حديث عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما.
(5) حديث عن عرفجة الكلابي Untitled .
(6) حديث عن أبي سعيد الخدري Untitled .
(7) حديث عن أم سلمة زوج النبي  - ورضي الله عنها.
(8) حديث عن عوف بن مالك الأشجعي Untitled .
(9) حديث عن عبادة بن الصامت Untitled .
(10) حديث عن أبي هريرة Untitled أيضاً.
(11) حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص-رضي الله عنهما.
    وكل هذه الأحاديث صحيحة من صحيح الإمام مسلم-رحمه الله- الذي تلقته الأمة بالقبول وحكموا عليه بأنه أصح كتاب في الحديث بعد صحيح الإمام البخاري-رحمه الله-، وكل هذه الأحاديث أفادت أحكاماً تتعلق بحق الولاة على الرعية، واتفقت كلها على حكم واحد وهو تحريم الخروج على ولاة أمور المسلمين وإن كانوا ظلمة جائرين.
فنقول: يستفاد من هذه الأحاديث عدة أحكام:
الحكم الأول: تحريم الخروج على ولاة الأمر المسلمين وإن كانوا فسقة عاصين أو ظلمة جائرين: ووجوب الطاعة لهم فيما لم يكن معصية لله تعالى، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما كان وسيلة إلى واجب فهو واجب، وما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم، والكلام في الولاة والتجريح لهم علناً محرم لأنه وسيلة إلى الخروج عليهم فكان محرماً.
الحكم الثاني: تحريم المنازعة لهم وهي تكون بأمور منها:
(أ) إظهار احتقارهم والتهوين من شأنهم .
(ب) إظهار مثالبهم في المجتمعات وعلى المنابر .
(ج) اختلاق مثالب وعيوباً لهم من أجل زرع بغضهم في قلوب العامة والناشئة من طلاب العلم .
(د) ذم العلماء واتهامهم بالمداهنة وبيع الذمم .
(هـ) استعمال ما من شأنه التهييج عليهم والإثارة ضدهم، وكل هذا من أنواع منازعة الحكام الذي نهى عنه رسول الله  كما في حديث عبادة بن الصامت الذي سبق ذكره بلفظ: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً معكم من الله فيه برهان).
الحكم الثالث: يؤخذ من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة y أن من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية .
الحكم الرابع: يؤخذ من هذه الأحاديث أن البيعة المعتبرة هي بيعة الأول، وهي بيعة الإمام الظاهر للناس والمعروف عندهم لقوله (فوا ببيعة الأول فالأول).
الحكم الخامس: يؤخذ من هذه الأحاديث أن البيعة الثانية وهي البيعة الخفية بيعة باطلة فإن قال بعض الحزبيين: أنا لم أبايع، قيل له إن بيعة عريفك وشيخ قبيلتك بيعة عنك وأنت ملزم بها شرعاً، أمام الله عز وجل ، ثم أمام خلقه .
الحكم السادس: يؤخذ من هذه الأحاديث أن من أخذ البيعة لنفسه من وراء علم الإمام وبغير إذنه،وجب قتله إن ظفر به، ووجب قتاله مع الإمام إن لم يظفر به، وخرج خروجاً فعلياً لقوله :(من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاضربوا عنقه كائناً من كان).
الحكم السابع: يؤخذ من هذه الأحاديث وجوب الصبر على جور الولاة ماداموا مسلمين، وعدم الخروج عليهم.
لقوله لأصحابه: (إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض) وقوله: (من رأى من إمامه شيئاً فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعة فإنه من خرج من السلطان شبراً فمات مات ميتة جاهلية).
الحكم الثامن: أن من رأى من أميره أو إمامه معصية فعليه أن ينصح له نصيحة بشروطها، فإن لم يقبل وأصر على معصيته وجب عليه أن يكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة، وكذلك إذا كان لا يستطيع النصيحة، فالواجب عليه أن يكره ذلك لقول النبي  في  حديث أم سلمة: (من أنكر برئ، ومن كره سلم، ولكن من رضي وتابع).
الحكم التاسع: على الرعية أن  يؤدوا حق الولاة عليهم ويكلوا أمرهم إلى الله إن قصروا في حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم ولا يجوز لهم الخروج عليهم.
الحكم العاشر: أن الإمام إذا حصل منه قصور في حق الرعية فلا يجوز لهم أن يكافئوه على ذلك بمنع حقه من الطاعة ؛ بل عليهم أن يؤدوا حقه ويصبروا على ما حصل من الإمام إن فرض، ومعنى الصبر: أنهم لا يتكلمون فيه في المحافل والمجتمعات وعلى رؤوس المنابر ولهم أن يكتبوا إليه كتابة وعظ وتذكير، فإن لم يحصل شئ من التراجع وجب عليهم أن يصبروا، ولا يجوز لهم أن ينزعوا يداً من طاعة .
أين أنتم أيها الناقمون من هذه الأحاديث الصحيحة الصريحة الكثيرة؟
أتتركون أوامر النبي الكريم الذي أوجب الله عليكم طاعته، ورتب عليها محبته وجنته وتطيعون من ليس بمعصوم من الخطأ والزلل؟
أين أنتم يا عباد الله من قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال/24]،ومن قوله تعالى: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[النور/63].
أتطيعون رؤساءكم في منازعة الأمر أهله، وتعصون رسول الله  الذي حذركم من منازعة ولاة الأمر أمرهم كما في حديث عبادة بن الصامت (وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن ترو كفراً بواحاً معكم من الله فيه برهان
أيها الناس: احمدوا الله واشكروه على ما أنتم فيه وأنتم في نعمة عظيمة يغبطكم عليها ويحسدكم بها القاصي والداني.
اعلموا أن الله يقول: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ }[إبراهيم/7] ، ويقول: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }[الرعد/11].
ألم تكن دولتنا على فطرة المنهج السلفي الذي يحرم الخروج على الولاة فما الذي حولكم عنه؟
أليس التخطيط السري الرهيب الذي غسل أدمغتكم وقلب أفكاركم رأساً على عقب فحصل ما حصل؟
إن المنهج الإخواني بجميع فصائله من سرورية وقطبية وجماعة تكفير وحزب جهاد وتحرير وغير ذلك كلها تتفق على الفكرة الحركية الحزبية الثورية، كلهم يدعون إلى التخطيط السري والخروج المفاجئ عندما يرون قوتهم قد اكتملت، وإن كانوا يدعون أنهم من أهل السنة والجماعة، وإن من تتبع تصريحاتهم في الأشرطة والصحف والمقالات والكتب يتبين له ذلك .
وإني لأعجب من أقوام يدافعون عنهم ويتعاطفون معهم وهم يعلمون بعض ما هم عليه، ولا أرى من يفعل ذلك إلا آثماً كإثم من يرى قوماً يزرعون ألغاماً في طريق قوم مسلمين ليودوا بحياتهم بغير حق، فسكت حتى ثار اللغم فيهم وأهلكهم .
إن السكوت عمن يبيت الشر للمسلمين ويريد الإيقاع بهم ما بين حين وآخر خيانة عظمى للمسلمين، وإن النصيحة للمسلمين في هذا البلد المسلم الطيب والنصيحة لأئمة المسلمين فيه من ولاة وعلماء أن ينبهوا على مواطن الشر قبل وقوعه، ولسنا نشك أنهم عندهم شئ من العلم عن بعض ما يبيته هؤلاء العققة، ولكنا نرى أن الواجب علينا أن نؤدي ما عندنا لتبرأ ذمتنا، وليتأكد الخبر بالخبر ويزداد قوة، والله من وراء القصد.
وأخيراً: فإني أذكر إخواني بما عليه دولتنا أيدها الله وبما نحن فيه من أمن ورخاء ورغد عيش.
نقلاً من مقدمة كتاب "المورد العذب الزلال فَيمَا انتُقَدَ عَلى بَعضِ المـنَاهِج الدَّعَويَّة مِنَ العقَائدِ والأعْمَال"(ص19ـ38)بتصرف بالزيادة والنقصان للشيخ أحمد بن يحيى بن محمد النجمي-رحمه الله.

(6) [منهاج السنة النبوية: 3/390].
(7) قلت:                                                       
(((شبهة والرد عليها)))
     ورد سؤال إلى العلاّمة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ مفاده : سمعت بعض طلاب العلم يقول أنه يجوز الخروج على ولي الأمر الفاسق ولكن بشرطين :
(1) أن يكون عندنا القدرة على الخروج عليه .
(2) أن نتأكد أن المفسدة أقل من المصلحة .
وقال هذا منهج السلف . !
فأجاب-رحمه الله-: نقول-بارك الله فيك- إن هذا الرجل لا يعرف من مذهب السلف شيئاً ، والسلف متفقون على أنه لا يجوز الخروج على الأئمة أبراراً كانوا أو فجاراً وأنه يجب الجهاد معهم ، وأنه يجب حضور الأعياد والجمع التي يصلونها هم بالناس-كانوا في الأول يصلون بالناس- وإذا أرادوا معرفة شيء من هذا فليرجعوا إلى العقيدة الواسطية حيث ذكر أن أهل السنة والجماعة يرون إقامة الحج والجهاد والأعياد مع الأمراء أبراراً كانوا أو فجاراً - هذه عباراته رحمه الله- .
    يقول له إنما ذكره هو منهج السلف ! نقول هو بين أمرين إما كاذب على السلف أو جاهل بمذهبهم .
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ***وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وقلت: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقول:(إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) فكيف يقول هذا الأخ أن منهج السلف الخروج على الفاسق ؟!
يعني أنهم خالفوا كلام الرسول عليه الصلاة والسلام صراحةً.
ثم إن هذا الأخ في الواقع ما يعرف الواقع .
إن الذين خرجوا على الملوك سواء بأمر ديني أو أمر دنيوي هل تحولت الحال من سيء إلى أحسن ، نعم ، أبداً.
بل من سيء إلى أسوء بعيداً ، وانظر الآن الدول كلها تحولت إلى شيء آخر.
أما من لم يحكم بما أنزل الله:فهذا أيضاً ليس بصحيح ، ليس أكثر السلف على أنه يكفر مطلقاً، بل المشهور عن ابن عباس Untitled أنه (كفر دون كفر) ، والآيات كلها في نسق واحد{الكافرون}،{الظالمون}،{الفاسقون}، وكلام الله لا يبطل بعضه بعضاً ؛ فيحمل كل آية منها على حالٍ يكون فيها في هذا الوصف ؛ تحمل آية التكفير على حال يكفر بها ، وآية الظلم على حال يظلم فيها ، وآية الفسق على حال يفسق بها . عرفت .
وأنا أنصح هؤلاء الإخوان:قل له أن يتقي الله في نفسه ، لا يغر المسلمين ، غداً تخرج هذه الطائفة ثم تُحطّم ، أو يتصورون الإخوة الملتزمين تصوراً غير صحيح ، كله بسبب هذه الفتاوى الغير صحيحة.(مفرغ من شريط " الرد على من يجيز الخروج على الحاكم الفاسق و من زعم التكفير بإطلاق في مسألة الحكم" للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ) .

(8) ((منهاج السنة)) لابن تيمية: ج 1 ص 146.
(9) شرح الطحاوية في العقيدة السلفية (2 / 418).

(10) ((الأحكام السلطانية)) لأبي يعلى: ص 23.
(11) [ نقلاً عن رسالة حقوق الراعي والرعية]، مجموع خطب للعلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله .


([12])ويذكر فضيلة الشيخ عبد المحسن العبيكان-وفقه الله-والذي كان القطبيون يلقبونه قديماً بـ"سلطان العلماء في العصر الحديث" ثم لما لم يوافقهم على باطلهم تركوه-وهو نفسه ما حدث مع غيره من الأفاضل، وهذا يرجع إلى ما ذكره محمد العبدة المنظر القطبي-عامله الله بما يستحق-من استخدام قدرات الغير بطرق ماهرة (والصواب أن يقال ماكرة فاجرة) انظر"القطبية هي الفتنة فاعرفوها "-وهو يتحدث عن أسباب ظهور فكر الخوارج حديثاً وخصوصاً في ديار الحرمين الشريفين"وقد خرج شباب هذه البلاد إلى أفغانستان، فوجد هناك من يدربهم ويدرسهم ويربيهم على منهج التكفير، وهؤلاء المدربون خرجوا من بلادهم بسبب أذىً من حكامهم؛ لأنهم تصادوا معهم، وكان ينبغي من كل منهم أن يبقى في بلده، وأن يدعوا إلى الله بالتي هي أحسن، وأن يحرص على أن يبذل جهده في نصح الأمة، وأن يبذل ما يستطيع من نصح ودعوة، وأن لا يصادم الذين سيتعرضون له وهم يستطيعون أن يؤذوه ولكن منهج الخوارج هو منهج المصادمات، والإثارة للفتن، والمشاغبات، ونصيحة الحكام العلنية، والتشهير بهم ، ونحو ذلك" "الخوارج والفكر المتجدد" ص(37).

([13])"أما الاجتهاد في العقيدة والمنهج فلا حظّ ولا أجر لمن اجتهد فيه، بل يجب الوقوف عند النصوص فقط ، وهذا مما يدل عليه أمر النبي-صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-بقتل الخوارج ، بل هم شر قتلى عند الله كما جاء في الأحاديث، لم يقل أنهم مأجورون...ولا يعذرون بهذا الاجتهاد الخاطئ ؛ لأنه لا مجال للاجتهاد في مسائل العقيدة والمنهج، بل يجب أن ينتهج منهج السلف الصالح وأن يلتف حول العلماء المعتبرين، الذين يعرفون هذا المنهج ويميزون بين الصحيح والسقيم"قاله الشيخ العبيكان "الخوارج والفكر المتجدد"ص(35).
           
(14) اعتبر الدكتور العواجي في كتابه"الخوارج"ص (121) أن من أسباب خروج الخوارج وظهورها بين الفينة والأخرى ما أطلق عليه "الحماس الديني" وعزا هذا القول للمدعو الطالبي حيث قال "فالتقوى والتمسك بالقرآن والسنة تمسكاً شديداً من أسباب الخروج"!! ونقل مثل ذاك عن "فلهوزن" وأحمد أمين، وأبو زهرة"أهـ فلما كان ذلك كذلك حمدت الله أن لم يذكره عن إمام من أئمة السلف-وما ينبغي لهم ذلك.
 وأقول: غفر الله لنا وله ولهم، التمسك بالكتاب والسنة أو بعبارة هي الأدق "الاستمساك بالكتاب والعض بالنواجذ على السنة هما سببا هذا الانحراف؟!!! بل والله لهما سببا الاهتداء والرشد والسعادة في الدارين، وشيوع الطمأنينة، وفشو الرخاء، وعموم الخير، واستقرار الأمن، وحفظ الأموال، وصيانة الأعراض، وحقن الدماء بلا ريب ولا مين .

(15) نقلاً من رسالة " استنفار مَن في الداخل والخارج ؛ لصدِّ خطر فكر الخوارج" لفضيلة الشيخ أبي عبد الله/ محمد بن عبد الحميد حسونة-رحمه الله.