جديدالموقع

ذهاب السُّهاد لبيان خلق سبع أرضين كالسموات









بِسْمِ اللهِ، وَالحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ المُرْسَلِينَ وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ أجمَعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ:

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ- " فِي الْبِدَايَةِ وَالنِّهَايَةِ " (1/26- 46): بَابُ مَا وَرَدَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا:

ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا }[الطَّلَاقِ:12]، ثُمَّ قَالَ: عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَكَانَتْ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُنَاسٍ خُصُومَةٌ فِي أَرْضٍ، فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- فَذَكَرَ لَهَا ذَلِكَ، فَقَالَتْ: يَا أَبَا سَلَمَةَ، اجْتَنِبِ الأَرْضَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ:« مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ (1).
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« مَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ بِغَيْرِ حَقِّهِ، خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( 2).

وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ- هَاهُنَا (أَيْ: فِي نَفْسِ الْبَابِ): عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ:« الزَّمَانُ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ وَذُو الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ، الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ » رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (3 )،

وَمُرَادُهُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- تَقْرِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ } [الطَّلَاقِ:12]، أَيْ فِي الْعَدَدِ كَمَا أَنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ الْآنَ اثْنَا عَشَرَ مُطَابَقَةً لِعِدَّةِ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ فَهَذِهِ مُطَابَقَةٌ فِي الزَّمَنِ كَمَا أَنَّ تِلْكَ مُطَابَقَةٌ فِي الْمَكَانِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ أَرْوَى بِنْتَ أُوَيْسٍ، ادَّعَتْ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّهُ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِهَا، فَخَاصَمَتْهُ إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، فَقَالَ سَعِيدٌ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئًا بَعْدَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: وَمَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ:« مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا، فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ »، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لَا أَسْأَلُكَ بَيِّنَةً بَعْدَ هَذَا، فَقَالَ:« اللهُمَّ، إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمِّ بَصَرَهَا، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا »، قَالَ:« فَمَا مَاتَتْ حَتَّى ذَهَبَ بَصَرُهَا، وَفِي رِوَايَةٍ:[ فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الْجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ]، ثُمَّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا، إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ، فَكَانَتْ قَبْرَهَا » مُتَّفَقٌ عَلَيهِ 

( 4).
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ قَدْ مَرَقَتْ رِجْلَاهُ الْأَرْضَ السَّابِعَةَ، وَالْعَرْشُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ أَيْنَ كُنْتَ؟ وَأَيْنَ تَكُونُ ؟ » صَحِيحٌ ( 5).
وَعَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِالَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَمْ يَكُنْ يَرَى قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إِلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا:« اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا » صَحِيحٌ ( 6).
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ -رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« إِنَّ نَبِىَّ اللَّهِ نُوحاً -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ لاِبْنِهِ: إِنِّى قَاصٌّ عَلَيْكَ الْوَصِيَّةَ: آمُرُكَ بِاثْنَتَيْنِ، وَأَنْهَاكَ عَنِ اثْنَتَيْنِ، آمُرُكَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، لَوْ وُضِعَتْ فِى كَفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فِى كَفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ، وَالأَرْضِينَ السَّبْعَ، كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً، قَصَمَتْهُنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فَإِنَّهَا صَلاَةُ كُلِّ شَىْءٍ، وَبِهَا يُرْزَقُ الْخَلْقُ، وَأَنْهَاكَ عَنِ الشِّرْكِ وَالْكِبْرِ » صَحِيحٌ (7 )،
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَالْمُتَوَاتِرَةِ فِي إِثْبَاتِ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ فَوْقَ الْأُخْرَى، وَالَّتِي تَحْتَهَا فِي وَسَطِهَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى السَّابِعَةِ، وَهِيَ صَمَّاءُ لَا جَوْفَ لَهَا، وَفِي وَسَطِهَا الْمَرْكَزُ، وَهُوَ نُقْطَةٌ مُقَدَّرَةٌ مُتَوَهَّمَةٌ، وَهُوَ مَحَطُّ الْأَثْقَالِ إِلَيْهِ يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ إِذَا لَمْ يُعَاوِقْهُ مَانِعٌ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ هُنَّ مُتَرَاكِمَاتٌ بِلَا تَفَاصُلٍ أَوْ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَالَّتِي تَلِيهَا خَلَاءٌ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَبَيْنَ الْأُخْرَى مَسَافَةً لِظَاهِرِ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ-رَضِيَ الله عَنْهُ-، قَالَ:« بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَاَلَّتِي تَلِيْهَا خَمْسُمَائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ كُلِّ سَمَاءٍ وَسَمَاءٍ خَمْسُمَائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَالكُرْسِيِّ خَمْسُمَائَةِ عَامٍ، وَبَيْنَ الكُرْسِيِّ وَالمَاءِ خَمْسُمَائَةِ عَامٍ، وَالعَرْشُ فَوْقَ المَاءِ، وَاَللَّهُ فَوْقَ العَرْشِ؛ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِكُمْ »(8)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى:{ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ }[الطَّلَاقِ:12]. الْآيَةَ.
قَالَ تَعَالَى:{ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ }[الْأَنْبِيَاءِ:30]،

قَالَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-(9): أَيْ كَانَ الْجَمِيعُ مُتَّصِلًا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَلَاصِقٌ مُتَرَاكِمٌ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، فَفَتَقَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَيْ فَصَلْنَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَعَلَ السَّمَاوَاتِ سَبْعًا وَالْأَرْضَ سَبْعًا، وَفَصَلَ بَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْأَرْضِ بِالْهَوَاءِ، فَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ وَأَنْبَتَتِ الْأَرْضُ؛ وَلِهَذَا قَالَ:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلاَ يُؤْمِنُونَ}.
قَالَ سَعِيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ-رَحِمَهُ اللَّهُ-:(( كَانَتِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ مُلْتَزِقَتَيْنِ فَلَمَّا رَفَعَ السَّمَاءَ وَأَبْرَزَ مِنْهَا الْأَرْضَ كَانَ ذَلِكَ فَتْقَهُمَا الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ ))،
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ-رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-:(( كَانَتَا جَمِيعًا فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ ))،
وَعَنْ عِكْرِمَةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-، قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:(( عَنِ اللَّيْلِ، كَانَ قَبْلُ أَوِ النَّهَارُ ؟، قَالَ: أَرَأَيْتُمُ السَّمَوَاتِ حَيْثُ كَانَتَا رَتْقًا هَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا إِلا ظُلْمَةٌ ؟، ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّيْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ ))، وهذا الاتجاه في التفسير يتفق مع أدق النظريات العلمية في عصرنا، فالملاحظات العامة في هذا الكون أن بعض المجرات تنطلق بسرعة هائلة خارجة عن مركز الكون، مما يدل على أن هذا الكون كان ملتزقا، وكان كتلة واحدة، ويؤكد ذلك أنه من خلال طيف الإشعاعات تأكد أن مادة الكون واحدة وهناك نظرية أخرى لا تتحدث عن الكون كله وإنما عن المجموعة الشمسية أنها كانت كتلة واحدة وكل من هاتين النظريتين العلميتين تتفق مع قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ في الآية.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:(( أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَسْأَلُهُ عَنْ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا؟ قَالَ: اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْخِ، فَاسْأَلْهُ، ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي بِمَا قَالَ لَكَ، قَالَ، فَذَهَبَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَسَأَلَهُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:" نَعَمْ، كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ وَكَانَتْ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَلَمَّا خَلَقَ لِلْأَرْضِ أَهْلًا فَتَقَ هَذِهِ بِالْمَطَرِ وَفَتْقَ هَذِهِ بِالنَّبَاتِ"، فَرَجَعَ الرَّجُلُ إِلَى ابْنِ عُمَرَ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا- فَأَخْبَرَهُ، فقال ابْنُ عُمَرَ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَدْ كُنْتُ أَقُولُ: مَا يُعْجِبُنِي جَرَاءَةُ ابْنُ عَبَّاسٍ-رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَلَى تَفْسِيْرِ القُرْآنِ فَالآنَ عَلِمْتُ أَنَّهُ قَدْ أُوتِيَ فِي الْقُرْآنِ عِلْمًا ))،
وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَعَطِيَّةُ العَوْفِيُّ-رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى-:(( كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ وَالْأَرْضُ رَتْقًا لَا تُنْبِتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ ))، وهذا الاتجاه في التفسير يتفق مع ما يقوله علماء الكون. وهذه هي نظرية السديم عند علماء الْفَلَكِ الذين يثبتون أن الشمس والكواكب والأرض كانت قطعة واحدة كتلة نارية، وفي أثناء سيرها السريع انفصلت عنها الْأَرْضُ والكواكب السيارة الأخرى، وهي تسعة مرتبة بحسب قربها من الشمس: عُطارد، والزُّهرة، والأرض، والمرّيخ، والمشتري، وزُحل، وأورانوس، ونبتون، وبلوتوه. ولكل منها مدار بحسب تأثير الجاذبية، وهي تجري في الْفَلَكِ، وهي تسعة أفلاك دون السموات المطبقة التي يعيش فيها الملائكة. وَالْفَلَكُ: استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء، أو هو مجراها وسرعة سيرها، فإذا كان الأمر كذلك فإن الأرض كانت أيام ذلك لا تنبت وكانت سماؤها لا تمطر.
فَعَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ تَفْسِيرِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّ الآيةَ أشارتْ إِلَى شيءٍ لَمْ يعرفُهُ الإنسانُ إلا متأخرًا. والملاحظُ أَنَّ الذينَ طَرَحُوا كُلَّاً مِنَ النَّظَرِيتينِ الكافرون، فكأنَهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا } إشارةٌ إلى أن الكافرين سيكتشفون هذهِ الحقائقُ ويبرهنونَ عليها، وفي ذلك كُلِّهِ مظاهرٍ من إعجازِ هذا القرآن، الذي لا تتناهى عجائِبُهُ.
وهذا السبقُ العلمي الذي أعلنَهُ القرآنُ دليلٌ واضحٌ قاطعٌ على أن القرآنَ كلامُ اللّهِ ووحيِهِ المنزلُ على عبدِهِ محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، النبيُّ الأميُّ الذي يستحيلُ أن يكونَ عالماً بمثلِ ذلك لولَا الوحيُ الإلهي.
هذا والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أَخْرَجَهُ: الْبُخَارِيُّ ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، برقم 3195، وَكِتَابُ المَظَالِمِ وَالغَصْبِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ ، برقم 2453، وَمُسْلِمٌ ، كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَغَصْبِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا، برقم 1612.
2- أَخْرَجَهُ: الْبُخَارِيُّ ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، برقم 3196، وَكِتَابُ المَظَالِمِ وَالغَصْبِ، بَابُ إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الأَرْضِ ، برقم 2454.
3- أَخْرَجَهُ: الْبُخَارِيُّ ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، برقم 3197.
4- أَخْرَجَهُ: الْبُخَارِيُّ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ مَا جَاءَ فِي سَبْعِ أَرَضِينَ، برقم 3198، وَمُسْلِمٌ، كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ، بَابُ تَحْرِيمِ الظُّلْمِ وَغَصْبِ الْأَرْضِ وَغَيْرِهَا، برقم 1610.
5- أَخْرَجَهُ: أبو يعلى (11/496 ، رقم 6619). قال الهيثمي (1/80): رجاله رجال الصحيح، انْظُرْ: الصَّحِيحَة تحت ح (150).
6- أَخْرَجَهُ: (حب) 2709 [قال الألباني]: صحيح - "تخريج فقه السيرة" (341)، "تخريج الكلم الطيب" (رقم 179)، "الصحيحة" (2758).
7- أَخْرَجَهُ: (خد) 548، (حم) 6583، (ك) 154، انظر الصَّحِيحَة: 134، صَحْيح الْأَدَبِ الْمُفْرَد: 426.
8- (إِسْنَادُهُ صَحِيْحٌ. (التَّوْحِيْدُ) (244/ 1) (885/ 2) لِابْنِ خُزَيْمَةَ. اُنْظُرْ كِتَابَ (مُخْتَصَرُ العُلُوِّ) لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- (ص103)) قَالَهُ الحَافِظُ الذَّهَبِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-، قَالَ: (وَلَهُ طُرُقٌ). ((العُلُوُّ) (ص45) لِلذَّهَبِيِّ)، قُلْتُ: وصححه ابن باز في شرح كتاب التوحيد لابن باز - الصفحة أو الرقم: 389 وقال: صحيح جيد، وابن عثيمين في مجموع فتاوى - الصفحة أو الرقم: 1125/10 وقال: موقوف له حكم الرفع.
9- فِي تَفْسِيْرِهِ (5/339).ط. دار طيبة للنشر والتوزيع .
https://www.sahab.net/forums/index.php?showtopic=163486
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏سماء‏ و‏نص‏‏‏