جديدالموقع

العُجاب في معني قوله تعالي ( يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ۖ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ )






الْحَمْدُ لِلَّهِ أحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنُؤْمِنُ بِهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
أَمَّا بَعْدُ:
سُئِلَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ }[الأنعام: 2]، وقَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ }[فاطر: 11]، وقَوْلِهِ تَعَالَى:{ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }[الرعد: 39]، هَلْ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَالْكِتَابِ الَّذِي جَاءَ فِي الصَّحِيحِ:{ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ كِتَابًا فَهُوَ عِنْدُهُ عَلَى عَرْشِهِ } الْحَدِيثَ.
وَقَدْ جَاءَ:{ جَفَّ الْقَلَمُ } فَمًا مَعْنَى ذَلِكَ فِي الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ ؟.
وَهَلْ شُرِعَ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ: " اللَّهُمَّ إنْ كُنْت كَتَبْتنِي كَذَا فَامْحُنِي وَاكْتُبْنِي كَذَا فَإِنَّكَ قُلْتَ:{ يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ }، وَهَلْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَدْعُو بِمِثْلِ هَذَا ؟ وَهَلْ الصَّحِيحُ عِنْدَكُمْ أَنَّ الْعُمْرَ يَزِيدُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ ؟
أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ.
فَأَجَابَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
أَمَّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:{ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ }، فَالْأَجَلُ الْأَوَّلُ هُوَ أَجَلُ كُلِّ عَبْدٍ؛ الَّذِي يَنْقَضِي بِهِ عُمُرُهُ. وَالْأَجَلُ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ هُوَ: أَجَلُ الْقِيَامَةِ الْعَامَّةِ.
وَلِهَذَا قَالَ:{ مُسَمًّى عِنْدَهُ } فَإِنَّ وَقْتَ السَّاعَةِ لَا يَعْلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، كَمَا قَالَ:{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ }[الأعراف: 187]. بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ:{ مُسَمًّى }، كَقَوْلِهِ: { إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى }[البقرة: 282]، إذْ لَمْ يُقَيِّدْ بِأَنَّهُ مُسَمًّى عِنْدَهُ، فَقَدْ يَعْرِفُهُ الْعِبَادُ.
وَأَمَّا أَجَلُ الْمَوْتِ فَهَذَا تَعْرِفُهُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَكْتُبُونَ رِزْقَ الْعَبْدِ، وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ. كَمَا قَالَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ-رَضِيَ الله عَنْهُ-،قَالَ: « حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، - وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ -: إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خُلُقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ الْمَلَكُ، فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، فَيُقَالُ: اُكْتُبْ رِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَعَمَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( 1)، فَهَذَا الْأَجَلُ الَّذِي هُوَ أَجَلُ الْمَوْتِ قَدْ يُعَلِّمُهُ اللَّهُ لِمَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ.
وَأَمَّا أَجَلُ الْقِيَامَةِ الْمُسَمَّى عِنْدَهُ فَلَا يَعْلَمُهُ إلَّا هُوَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ:{ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ } فَقَدْ قِيلَ إنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ، أَيْ مَا يُعَمَّرُ مِنْ عُمُرِ إنْسَانٍ، وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِ إنْسَانٍ، ثُمَّ التَّعْمِيرُ وَالتَّقْصِيرُ يُرَادُ بِهِ شَيْئَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ هَذَا يَطُولُ عُمْرُهُ، وَهَذَا يَقْصُرُ عُمُرُهُ، فَيَكُونُ تَقْصِيرُهُ نَقْصًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ الْمُعَمَّرَ يَطُولُ عُمُرُهُ، وَهَذَا يَقْصُرُ عُمُرُهُ، فَيَكُونُ تَقْصِيرُهُ نَقْصًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ، كَمَا أَنَّ التَّعْمِيرَ زِيَادَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى آخَرِ.
وَقَدْ يُرَادُ بِالنَّقْصِ النَّقْصُ مِنْ الْعُمُرِ الْمَكْتُوبِ، كَمَا يُرَادُ بِالزِّيَادَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْعُمُرِ الْمَكْتُوبِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنَّهُ قَالَ:« مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ »مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ( 2)، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْبَرَكَةُ فِي الْعُمُرِ، بِأَنْ يَعْمَلَ فِي الزَّمَنِ الْقَصِيرِ مَا لَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ إلَّا فِي الْكَثِيرِ، قَالُوا: لِأَنَّ الرِّزْقَ وَالْأَجَلَ مُقَدَّرَانِ مَكْتُوبَانِ.
فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ تِلْكَ الْبَرَكَةُ. وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي الْعَمَلِ، وَالنَّفْعِ. هِيَ أَيْضًا مُقَدَّرَةٌ مَكْتُوبَةٌ، وَتَتَنَاوَلُ لِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
وَالْجَوَابُ الْمُحَقَّقُ: أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ لِلْعَبْدِ أَجَلًا فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ ، فَإِذَا وَصَلَ رَحِمَهُ زَادَ فِي ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ. وَإِنْ عَمِلَ مَا يُوجِبُ النَّقْصَ نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكْتُوبِ.
وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« أَنَّ آدَمَ لَمَّا طَلَبَ مِنْ اللَّهِ أَنْ يُرِيَهُ صُورَةَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَأَرَاهُ إيَّاهُمْ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلًا لَهُ بَصِيصٌ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَا رَبِّ ؟ فَقَالَ ابْنُك دَاوُد. قَالَ: فَكَمْ عُمُرُهُ ؟ قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً. قَالَ: وَكَمْ عُمْرِي ؟ قَالَ: أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ فَقَدْ وَهَبْت لَهُ مِنْ عُمْرِي سِتِّينَ سَنَةً. فَكُتِبَ عَلَيْهِ كِتَابٌ وَشَهِدَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي سِتُّونَ سَنَةً. قَالُوا: وَهَبْتهَا لِابْنِك دَاوُد. فَأَنْكَرَ ذَلِكَ فَأَخْرَجُوا الْكِتَابَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَسِيَ آدَمَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَجَحَدَ آدَمَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ » صَحِيحٌ ( 3). وَرُوِيَ أَنَّهُ كَمَّلَ لِآدَمَ عُمُرَهُ، ولدَاوُد عُمُرَهُ.
فَهَذَا دَاوُد كَانَ عُمُرُهُ الْمَكْتُوبُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ جَعَلَهُ سِتِّينَ، وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ-رَضِيَ الله عَنْهُ-، أَنَّهُ قَالَ: اللَّهُمَّ إنْ كُنْت كَتَبَتْنِي شَقِيًّا فَامْحُنِي وَاكْتُبْنِي سَعِيدًا، فَإِنَّك تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ.
وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ؛ فَهُوَ يَعْلَمُ مَا كَتَبَهُ لَهُ وَمَا يَزِيدُهُ إيَّاهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا عِلْمَ لَهُمْ إلَّا مَا عَلَّمَهُمْ اللَّهُ، وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَبَعْدَ كَوْنِهَا؛ فَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: إنَّ الْمَحْوَ وَالْإِثْبَاتَ فِي صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ، وَأَمَّا عِلْمُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَبْدُو لَهُ مَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِهِ، فَلَا مَحْوَ فِيهِ وَلَا إثْبَاتَ.
وَأَمَّا اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ فَهَلْ فِيهِ مَحْوٌ وَإِثْبَاتٌ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ ؟ (4 ).
هذا والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ، كِتَابُ بَدْءِ الخَلْقِ، بَابُ ذِكْرِ المَلاَئِكَةِ، بِرَقَمِ 3208، وَمُسْلِمٌ، كِتَابُ الْقَدَرِ، بَابُ كَيْفِيَّةِ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَكِتَابَةِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقَاوَتِهِ وَسَعَادَتِهِ، بِرَقَمِ 2643.
2- أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ، كِتَابُ البُيُوعِ، بَابُ مَنْ أَحَبَّ البَسْطَ فِي الرِّزْقِ، بِرَقَمِ 2067، وَمُسْلِمٌ، كِتَابُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ، بَابُ صِلَةِ الرَّحِمِ وَتَحْرِيمِ قَطِيعَتِهَا، بِرَقَمِ 2557. عَنْ أَنَسِ-رَضِيَ الله عَنْهُ-.
3- أَخْرَجَهُ: التِّرْمِذِيُّ، بِرَقَمِ (3368)، وَصَحَّحَهُ العَلَّامَةُ الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي المِشْكَاةِ بِرَقَمِ (4662)، وَظِلَالُ الجَنَّةِ بِرَقَمِ (204-206).
4- اُنْظُرْ " مَجْمُوْعُ الفَتَاوَى " (14/488-492).ط. الملك فهد.
قُلْتُ: قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (11/ 488):(( وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَعَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا فِي عِلْمِ الحَفَظَةِ وَالمُوَكَّلِيْنَ بِالآدَمِيِّ؛ فَيَقَعُ فِيْهِ المَحْو وَالإِثْبَاتُ كَالزِّيَادَةِ فِي العُمُرِ وَالنَّقْصِ، وَأَمَّا مَا فِي عِلْمِ اللهِ فَلَا مَحْوَ فِيْهِ وَلَا إِثْبَاتَ. وَالعِلْمُ عِنْدَ اللهِ)).
وقَالَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (10/ 416):(( الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا فِي عِلم المَلَك ، وما فِي أُمّ الكِتاب هُو الَّذِي فِي عِلم الله تَعالَى فَلا مَحو فِيهِ البَتَّة، ويُقال لَهُ: القَضاء المُبرَم ، ويُقال لِلأَوَّلِ القَضاء المُعَلَّق )).
وَقَالَ الْعَلاَّمَةُ السَّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي التَّفْسِيْرِ (ص419): (({يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ} مِنَ الأَقْدَارِ. {وَيُثْبِتُ} مَا يَشَاءُ مِنْهَا، وَهَذَا المَحْو وَالتَّغْيِيْرُ فِي غَيْرِ مَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَكَتَبَهُ قَلَمُهُ؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقَعُ فِيْهِ تَبْدِيْلٌ وَلَا تَغْيِيْرٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللهِ أَنْ يَقَعَ فِي عِلْمِهِ نَقْصٌ أَوْ خَلَلٌ، وَلِهَذَا قَالَ: {وَعِنْدَهُ أُمُّ الكِتَابِ} أَي اللَّوْحُ المَحْفُوْظُ، الَّذِيْ تَرْجِعُ إِلَيْهِ سَائِرُ الأَشْيَاءِ، فَهُوَ أَصْلُهَا، وَهِيَ فُرُوْعٌ لَهُ وَشُعَبٌ. فَالتَّغْيِيْرُ وَالتَّبْدِيْلُ يَقَعُ فِي الفُرُوْعِ وَالشُّعَبِ، كَأَعْمَالِ اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الَّتِيْ تَكتُبُهَا المَلَائِكَةُ، وَيَجْعَلُ اللهُ لِثُبُوْتِهَا أَسْبَابًا، وَلِمَحْوِهَا أَسْبَابًا، لَا تَتَعَدَّى تِلْكَ الأَسْبَابُ مَا رُسِمَ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوْظِ، كَمَا جَعَلَ اللهُ البِرَّ وَالصِّلَةَ وَالإِحْسَانَ مِنْ أَسْبَابِ طُوْلِ العُمُرِ وَسِعَةِ الرِّزْقِ، وَكَمَا جَعَلَ المَعَاصِي سَبَبًا لِمَحقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَالعُمُرِ، وَكَمَا جَعَلَ أَسْبَابَ النَّجَاةِ مِنَ المَهَالِكِ وَالمَعَاطِبِ سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ، وَجَعَلَ التَّعَرُّضَ لِذَلِكَ سَبَبًا لِلعَطَبِ، فَهُوَ الَّذِيْ يُدَبِّرُ الأُمُوْرَ بِحَسْبِ قُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَمَا يُدَبِّرُهُ مِنْهَا لَا يُخَالِفُ مَا قَدْ عَلِمَهُ وَكَتَبَهُ فِي اللَّوْحِ المَحْفُوظِ)).
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏‏في الهواء الطلق‏، و‏طبيعة‏‏ و‏نص‏‏‏