جديدالموقع

الْأَدِلَّةُ وَالبُرْهَانُ عَلَى بَرَاءَةِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ






          الْحَمْدُ لِلَّهِ أحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنُؤْمِنُ بِهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَنَعُوذُ بِالله مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ الله فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ.
     أَمَّا بَعْدُ:
     قَالَ تَعَالَى:{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }[يُوسُفَ:23-29]، دخل يوسف -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، قصر العزيز وبدأت المحن تتوالى عليه، وكانت محنة في غاية القوة تلك التي تعرض لها، ولكنه صبر عليها صبر النبلاء، لأن الصبر عن معصية الله -عَزَّ وَجَلَّ-، هو أرفع أنواع الصبر فيما يتعلق بالمكلف.

     ولك أن تتأمل: داعي المعصية موجود، فيوسف -عَلَيْهِ السَّلَامُ-،
     أَوَّلاً: كَانَ جميلاً فَجمالُ الرجلِ هو الذي يَدْعوُهُ إلى التقربِ للنساءِ غرورًا بجمالِهِ، وَتَقَرُّبِ النساءِ منهُ، غَيْرِ ذَلِكَ القبيحُ الذي يعلمُ سلفًا أنهُ غيرُ مرغوبٍ فيِهِ.
     ثَانِيًا: كَانَ شاباً، وداعي الزنا عند الشبابِ أكبر([1])،
     ثَالِثًا: كَانَ أعزبًا لم يتزوج، وهذا أيضاً باعث على أن يقع في المعصية.
     رَابِعًا: كَانَ تَحْتَ يَدَيْهَا، لَهَا عَلَيْهِ الأَْمْرُ وَالنَّهْيُ وَالطَّاعَةُ.
     خَامِسًا: كَانَ مَمْلُوكًا وداعي الزنا عند الْمَمْلُوكِ أَكْبَرَ مِنَ الْحُرِّ لأَِنَّ الْحُرَّ يَخْشَى الْفَضِيحَةُ أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَيُنْظَرُ إِلَيْهِ مِنْ مستوى أدنى.
     سَادِسًا: كَانَ غَرِيبًا عَنِ الْبَلَدِ، وَالْغَرِيبُ لاَ يَخْشَى الْفَضِيحَةُ مِثْلَ بْنِ الْبَلَد وَيُوسُفُ كَانَ غَرِيبًا.
     سَابِعًا: كَانَ فِي بَيْتِهَا: أي ليس غريباً، يُشك فيه إذا دخل البيت ([2])، فهذه الخلوة المحرمة تؤدى إلى المصائب العظيمة.
     ثَامِنًا:  كَانَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ جَمِيلَةٌ وداعي الزنا بالجميلة أكبر.
     مَرَاحِلُ الْغَوَايَةِ وَالصَّدِّ: اسْتَعَانَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ لِلإِْيقَاعِ بِيُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، فِي الْحَرَامِ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ وَمِنْهَا: تَارَةً بِالتَّلْمِيحِ - تَارَةً بِالتَّصْرِيحِ - تَارَةً بِالْقُوَّةِ - تَارَةً بِالتَّهْدِيدِ:      
     أَوَّلاً: الْمُرَاوَدَةُ: فَهِيَ الَّتِي رَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، فلم يبدأ الشر منه ولكن بدأ منها، والمرأة إذا دعت الرجل إلى الحرام غير إذا دعي الرجل المرأة للحرام، لأنها إذا دعت الرجل إلى الحرام أزالت الحواجز النفسية فالرجل يخشى إذا دعا المرأة إلى الحرام أن ترفض أو تستنجد بأهلها لكن إذا المرأة دعته للحرام صَارَ الْحَرَامَ سَهْلاً، وَلِذَلِكَ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ:« وَمِنْهُمْ: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ([3]).
     ثَانِيًا: غَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ: أي غاب الرقيب وهذا أدعى للوقوع في الحرام([4]).
     ثَالِثًا: أنها شجعته على ذلك وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ. تعالى.... هيا.
     رَابِعًا: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَانَتْ ذَاتَ مَنْصِبٍ، فَهِيَ كَانَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ، ومنصبها يجعلها قادرة على إخفاء الجريمة، حتى وإن انكشف أمرها، وهذا عامل أمانٍ آخر يغري الرجل بالإقدام.
     خَامِسًا: دِيَاثَةُ الزَّوْجِ، وَمِنَ الآْيَاتِ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَزِيزَ زَوْجُهَا كَانَ لَا يَغَارُ عَلَى أَهْلِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[يوسف: 25]، وَبَعْدَ الْمُحَاكَمَةِ وَظُهُورِ الْحَقِ بِجَانَبِ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؛ مَا زَادَ عَلَى قَوْلِهِ لِيُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-: { يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا }[يوسف: 29]، وَقَالَ لِزَوْجَتِهِ:{ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }[يوسف: 29]، وَهَذَا دَافِعٌ مِنْ أَكْبَرِ الدَّوَافِعِ لِاقْتَرَافِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ مَادَامَ الشَّخْصُ الَّذِي لَهُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لا يمانع بذلك.
     سَادِسًا: أنها استعانت عليه بكيد النسوة زيادةً للفتنة.
      سَابِعًا: أنها هددته بالسجن، وقد يضعف الإنسان ويرضخ لمثل هذا التهديد، وهو أيضًا من العوامل الفاعلة والمؤثرة في الكثير من الناس.
     قَالَ تَعَالَى:{ وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ([5]) (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ }[يُوسُفَ:30-32]، إذاً هناك أسباب كثيرة جداً داعية إلي أنه يزنى، وفي كثيرٍ من الأحيان يكون توفر داعٍ واحدٍ منها كافيًا لحدوث الزنا، فكيف إن تجمعت جميعها، ومع ذلك صمد -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ولم يقع في فاحشة الزنا وبالتالي فإنه بلغ عند الله شأناً عظيماً.
     قَالَ تَعَالَى:{ وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }[يوسف: 23]، يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ الَّتِي كَانَ يُوسُفُ فِي بَيْتِهَا بِمِصْرَ، وَقَدْ أَوْصَهَا زَوْجُهَا بِإِكْرَامِهِ، فَرَاوَدَتْهُ عَنْ نَّفْسِهِ أَيْ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُوَاقِعَهَا. الْمُرَاوَدَةُ: هِيَ الطَّلَبُ بِرِفْقٍ وَلِينٍ وَعرضِ الشيءِ بأسلوبٍ مزخرفٍ ومزينٍ، وَيُخْرِجِ المطلوبُ مِنْهُ، أَوْ المعروضُ عليِهِ هذا الشيء، عَنْ حالتِهِ الطبيعيَةِ ليلقى قبولًا لدى الطرفِ الآخرِ. وهذِهِ هِيَ أولى مراحلُ الزنا في هذِهِ الحالِةِ، وَذَلِكَ أَنَّهَا أَحَبَّتْهُ حُبًّا شَدِيدًا لِجَمَالِهِ وَحُسْنِهِ وَبَهَائِهِ، فَحَمَلَهَا ذَلِكَ عَلَى أَنْ تَجَمَّلَتْ لَهُ وَغَلَّقَتْ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا الْأَبْوَابَ (يُقَالُ: وَإِنَّمَا جَاءَ غَلَّقَتْ عَلَى التَّكْثِيرِ لأَِنَّهَا غَلَّقَتْ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ ) وَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا{وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ}،فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الاِمْتِنَاعِ وَ{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ
     قَوْلُهُ تَعَالَى:{ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }، فِيهَا قَوْلاَنِ وَكِلاَهُمَا صَحِيحٌ:
     أَمَّا الأَْوَّل: فَقِيلَ: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الْعَزِيزِ.
     أَمَّا الثَّانِي: فَقِيلَ: أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى؛ أَيْ الَّذِي خَلَقَنِي وَأَكْرَمَنِي وَنَجَّانِي مِنْ حَسَدِ إِخْوَتِي، وَمِنَ غَيَابَاتِ الْجُبِّ، وَمِنَ الْبَيْعِ بَيْعَتِ الْعَبِيدِ، وَقَذَفَ الْمَحَبَةَ فِي قَلْبِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ لَكَ: {أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا}[يُوسُفَ:21]، فَكَيْفَ أَكْفُرُ نِعْمَتَهُ عَلَيَّ.
     هَلْ تَرَكَ يُوسُفُ الْفَاحِشَةِ خَوْفًا مِنَ اللَّهِ أم خَوْفًا مِنَ الْعَزِيزِ؟
     قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى" (15/118-121): قَوْلُهُ: { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }، مَعْلُومٌ أَنَّ تَرْكَ الْفَاحِشَةِ خَوْفًا لِلَّهِ وَاجِبٌ وَلَوْ رَضِيَ سَيِّدُهَا وَيُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، تَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ اللَّهِ. فَهَذَا كُلُّهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الدَّاعِيَ لِيُوسُفَ إلَى تَرْكِ الْفَاحِشَةِ كَانَ خَوْفَ اللَّهِ لَا خَوْفًا مِنْ السَّيِّدِ فَلِهَذَا قَالَ: { قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ }، وَقَالَ: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
    
     مَاذَا يُفْعَلُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-؟ فَكَانَ لَابُدَّ مِنَ التَّذْكِيرِ، أَيْ يَقُومُ بِتَذْكِيرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَلَّهَا تَثُوبَ إِلَى رُشْدِهَا.
     مَرَاحِلُ التَّذْكِيرِ:
     الْمَرْحَلَةُ الأُْولَى: التَّذْكِيرُ بِاللَّهِ: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ}: وَهِيَ أَعْلَى مَرَاتِبِ التَّذْكِيرِ وَالتَّذَكُّرِ وَلَا تَعْلُوهَا أَيْ مَرْتَبَةٍ أُخْرَى. أَيْ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ بِهَذَا الْفِعْلِ الْفَاحِشِ؛ لَمْ تَتَّعِظْ امْرَأَةَ الْعَزِيزِ بِهَذَا التَّذْكِيرِ لأَِنَّهَا لاَ تُؤْمِنُ بِرَبِ يُوسُفَ، فَنَزَلَ دَرَجَةً مِنْ دَرَجَاتِ التَّذْكِيرِ.
     الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ: التَّذْكِيرُ بِمَنْ رَبَّاهُ: فَقَامَ بِتَذْكِيرِهَا بِمَنْ لَهُ فَضْلٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا، لأَِنَّهَا زَادَتْ فِي الْإِلْحَاحِ فِي طَلَبِهَا، فَقَالَ لَهَا: { إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }، أَيْ كَيْفَ تَطْلُبِينَ مِنًى أَنْ أَخُونَ مَنْ رَبَّانِي، وَعَهِدَ بِي إِلَيْكِ، وَأَكْرَمَنِي وَأَحْسَنَ تَرْبِيَتِي، فَقَالَ لَكَ:{ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا }[يُوسُفَ:21]([6]) فَكَيْفَ أَخُونُهُ، لَكِنْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ لَمْ تُلْقِ لِمَا يَقُولُ بَالَاً؛ وَظَلَّتْ حَرِيصَةً عَلَى طَلَبِهَا، فَنَزَلَ دَرَجَةً أُخْرَى.    
     الْمَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّذْكِيرُ بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ: { إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }، وهو أن من يفعل هذا الفعل لا يمكن أن يفلح في الدنيا أو في الآخرة، لأنه سيكون ظالما لنفسه أمام الله، وللرجل الذي رباه، ولأن الله دائما بالمرصاد لكل خوان أثيم ([7]).
     أَنْتَقِلُ إِلَي قَضِيَّةِ الْهَمِّ: قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِقَالَ الْعَلاَّمَةُ محمد الأمين الشِّنقِيطيِّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، هَمَّ بِأَنْ يَفْعَلَ مَعَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ مِثْلَ مَا هَمَّتْ هِيَ بِهِ مِنْهُ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ بَيَّنَ بَرَاءَتَهُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، مِنَ الْوُقُوعِ فِيمَا لَا يَنْبَغِي حَيْثُ بَيَّنَ شَهَادَةَ كُلِّ مَنْ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَسْأَلَةِ بِبَرَاءَتِهِ، وَشَهَادَةَ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ وَاعْتِرَافَ إِبْلِيسَ بِهِ.
     أَمَّا الَّذِينَ لَهُمْ تَعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ فَهُمْ: يُوسُفُ، وَالْمَرْأَةُ، وَزَوْجُهَا، وَالنِّسْوَةُ، وَالشُّهُودُ.
     أَوَّلاً: أَمَّا جَزْمُ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، بِأَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ فَذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ:{ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ }، وَقَوْلِهِ: { هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي }، وَقَوْلِهِ: { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ }.
     ثَانِيًا: وَأَمَّا اعْتِرَافُ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ فَفِي قَوْلِهَا لِلنِّسْوَةِ:{ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ }[يُوسُفَ:32]، وَفِي قَوْلِهَا: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ }[يُوسُفَ:51].
     ثَالِثًا: وَأَمَّا اعْتِرَافُ زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَفِي قَوْلِهِ :{ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }[يُوسُفَ:28-29].
     رَابِعًا: وَأَمَّا اعْتِرَافُ الشُّهُودِ بِذَلِكَ فَفِي قَوْلِهِ: { وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ }[يُوسُفَ:26-29].
     خَامِسًا: وَأَمَّا اعْتِرَافُ النِّسْوَةِ بِذَلِكَ فَفِي قَوْلِهِنَّ: { قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ }[يُوسُفَ:51].
     سَادِسًا: وَأَمَّا شَهَادَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، بِبَرَاءَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يُوسُفَ:24].
     قُلْتُ: قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى" (10/ 296): وَأَمَّا يُوسُفُ الصِّدِّيقُ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ ذَنْبًا فَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ عَنْهُ مَا يُنَاسِبُ الذَّنْبَ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ، بَلْ قَالَ:{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يُوسُفَ:24]. فَأَخْبَرَ أَنَّهُ صَرَفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ سُوءٌ وَلَا فَحْشَاءُ. 
     قَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «تَفْسِيرِهِ»: قَدْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَى طَهَارَتِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ:
     أَوَّلُهَا: { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ }، وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ.
     وَالثَّانِي قَوْلُهُ:{ وَالْفَحْشَاءَ }، أَيْ: وَكَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ الْفَحْشَاءَ.
     وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ:{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:{ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }[الْأَنْبِيَاءِ:63].
     وَالرَّابِعُ قَوْلُهُ:{ الْمُخْلَصِينَ } وَفِيهِ قِرَاءَتَانِ: قِرَاءَةٌ بِاسْمِ الْفَاعِلِ، بِكَسْرِ اللَّامِ بِصِيغَةِ، قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَأُخْرَى بِاسْمِ الْمَفْعُولِ، بِفَتْحِ اللَّامِ قَرَأَهُ نَافِعٌ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ.
     فَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ آتِيًا بِالطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ مَعَ صِفَةِ الْإِخْلَاصِ.
     وَوُرُودُهُ بِاسْمِ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ، وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَتِهِ.
     وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ: فَإِنَّهُ مِنْ أَدَلِّ الْأَلْفَاظِ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّهًا عَمَّا أَضَافُوهُ إِلَيْهِ. اهـ مِنْ تَفْسِيرِ الرَّازِيِّ.
     وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:{ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ }[يُوسُفَ:23].
     سَابِعًا: وَأَمَّا إِقْرَارُ إِبْلِيسَ بِطَهَارَةِ يُوسُفَ وَنَزَاهَتِهِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ }[ص:82،83]، فَأَقَرَّ بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ إِغْوَاءُ الْمُخْلَصِينَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنَ الْمُخْلَصِينَ، كَمَا صَرَّحَ تَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ:{ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يُوسُفَ:24]، فَظَهَرَتْ دَلَالَةُ الْقُرْآنِ مِنْ جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَلَى بَرَاءَتِهِ مِمَّا لَا يَنْبَغِي.
     ثَامِنًا: عِصْمَةُ الأَْنْبِيَاءِ: الأَْنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ عَنِ الْكَبَائِرِ وَعَنِ الصَّغِيرَةِ الْمُفْضِيَةِ لِلْخَسَّةِ وَسُقُوطِ الْمُرُوءَةِ وَالْحِشْمَةِ بِإِجْمَاعِ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ، يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِنْ الْمَعْصُومِينَ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَالْقُرْآنُ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، مِنْ الِاسْتِعْصَامِ وَالتَّقْوَى وَالصَّبْرِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مَا لَمْ يُذْكَرْ عَنْ أَحَدٍ نَظِيرُهُ فَقَالَ تَعَالَى:{ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }[يُوسُفَ:90]، فَلَوْ كَانَ يُوسُفُ قَدْ أَذْنَبَ لَكَانَ إمَّا مُصِرًّا وَإِمَّا تَائِبًا وَالْإِصْرَارُ مُمْتَنِعٌ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ تَائِبًا. وَاَللَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ تَوْبَةً فِي هَذَا وَلَا اسْتِغْفَارًا كَمَا ذَكَرَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ([8]).
     وَقَالَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا نَصُّهُ: وَعِنْدَ هَذَا نَقُولُ: هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ الَّذِينَ نَسَبُوا إِلَى يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، هَذِهِ الْفَضِيحَةَ، إِنْ كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَقْبَلُوا شَهَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَهَارَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَتْبَاعِ إِبْلِيسَ وَجُنُودِهِ فَلْيَقْبَلُوا شَهَادَةَ إِبْلِيسَ عَلَى طَهَارَتِهِ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الدَّلَائِلِ: أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، بَرِيءٌ مِمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الْجُهَّالُ. ا هـ كَلَامُ الرَّازِيِّ([9]).
     فَإِنْ قِيلَ: قَدْ بَيَّنْتُمْ دَلَالَةَ الْقُرْآنِ عَلَى بَرَاءَتِهِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، مِمَّا لَا يَنْبَغِي فِي الْآيَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَلَكِنْ مَاذَا تَقُولُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: { وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ }، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ-رَحِمَهُ اللَّهُ- الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ، وَهَمُّ إصْرَارٍ([10])؟
     فَالْجَوَابُ: كَثُرَ الْكَلَامُ حَوْلَ مَعْنَى هَذِهِ الآْيَةِ، وَالْأَمْرُ فِيهَا سَهْلٌ يَسِيرٌ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ تَفْسِيرُ كَلِمَةُ { وَهَمَّ بِهَا }، وَحْدَهَا دُونَ بَقِيَّةِ الْجُمْلَةِ، وَإِذَاَ فُسِّرَتِ الْجُمْلَةِ مَعَ بَعْضِهَا، تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَهِمَّ بِهَا قَطٌّ لأَِنَّ رُؤْيَةَ بُرْهَانَ رَبِّهِ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ، بِدَلِيلِ أَنَّ{ لَوْلَا }حَرْفُ امْتِنَاعٍ لِوُجُودٍ([11])، وَالْمَعْنَى: أنها تَدُلُّ على امتناعِ شيءٍ لوجودِ شيءٍ، وَجَوَابُهَا مَحْذُوفٌ دَائِمًا، لِعِلْمِ السَّامِعِ، أَيْ لَكَانَ مَا كَانَ. وَتَقْدِيرُهُ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لهَمَّ بِهَا، وَهَذَا لِوُجُوبِ الْعِصْمَةِ لِلْأَنْبِيَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ }[يُوسُفَ:24]، كَقَوْلِكَ:(( هَمَمْتُ بِقَتْلِهِ لَوْلَا أَنِّي خِفْتُ اللَّهَ ))، مَعْنَاهُ:(( لَوْلَا أَنِّي خِفْتُ اللَّهَ لَقَتَلْتُهُ )) فَفِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ: لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ لَهَمَّ بِهَا([12]).
     قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَيَّانَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-فِي«تَفْسِيرِهِ» وَغَيْرُهُ مَا نَصُّهُ: وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، لَمْ يَقَعْ مِنْهُ هَمٌّ أَصْلًا، بَلْ هُوَ مَنْفِيٌّ عَنْهُ لِوُجُودِ الْبُرْهَانِ([13])، بُرْهَانُ النُّبُوَّةِ وَمُرَاقَبَةُ اللَّهِ تَعَالَى.
     قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَلِهَذَا كَانَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ذَنَبٌ أَصْلًا بَلْ صَرَفَ اللَّهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ([14]).
     وَعَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ هُنَا أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ قَالَ: { وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَاوَلَمْ يَقُلْ:{ وَهَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا }، فَلِمَاذَا قَالَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-:{وَلَقَدْ
     لِأَنَّهَا تَأْتِي هُنَا كَلِمَةُ {وَلَقَدْ} لِتُعْطَى إِحْسَاسَاً بِقُوَّةِ الْهَمِّ مِنْهِا وَلِتَأْكِيدِهِ، لِأَنَّ اللَّامَ فِي{لَقَدْ} لَامُ تَوْكِيدٍ. أَمَّا قَوْلُهُ:{وَهَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}فَقَطْ، تُعْطَى انْطِبَاعَاً بِرُعُونَةِ الْهَمِّ بَيْنَهُمَا، وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَالَ إِلَيْهَا بِالْفِعْلِ.
     قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَلِهَذَا وَقَعَ الْفَرْقُ بَيْنَ هَمِّ يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَهَمِّ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، فَيُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، هَمَّ هَمًّا تَرَكَهُ لِلَّهِ فَأُثِيبَ عَلَيْهِ، وَتِلْكَ هَمَّتْ هَمَّ إصْرَارٍ فَفَعَلَتْ مَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ مُرَادِهَا، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا الْمَطْلُوبُ([15]). 
     اشْتَدَّ إلْحَاحُ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ عَلَى يُوسُفَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَزَادَ سَخَطُهَا وَغَضَبُهَا، فَمَاذَا تَفْعَلُ مَعَ رَجُلٍ تَطْلُبُ مُنْهُ فِعْلاً لَوْ طَلَبَتْهُ مِنَ الْمُلُوكِ لأَجَابُوهَا إِلَيْهِ، وَلَكِنَّهَا وَقَعَتْ مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَرْفُضْ طَلَبَهَا وَحَسْبٌ، وَلَكِنَّهُ يَدْمَغُهَا بِالْحُجَجِ الَّتِي تَمْنَعُهُ مِنَ الْفِعْلِ.
     فَمَا كَانَ عَلَيْهَا إِلاَّ أَنْ تُجْبِرْهُ عَلَى الْفِعْلِ وَلَوْ بِالْقُوَّةِ، فَهَمَّتْ بِالْانْقِضَاضِ عَلَيْهِ لِتَمْسِكَهُ مِنْ قَمِيصِهِ مِنْ قُبُلٍ ((أَيْ:مِنَ الْأَمَامِ )) لِتَشُدُهُ إِلَيْهَا أَوْ لِتَجْذِبُهُ نَحْوَهَا، (( وَعِنْدَمَا نَقُولُ هَمَّتْ بِهِ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ تَمْسِكْهُ ))، فَمَا كَانَ مِنْ يُوسُفَ إِلَّا أَنْ هَمَّ بِهَا، لِدَفْعِهَا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَدَارَ لَهَا ظَهْرَهُ بِسُرْعَةٍ، وَفَرَّ مِنْهَا هَارِبَاً، وَاتَّجَهَ إِلَى الْبَابِ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ الْقَمِيصُ.
     قَالَ تَعَالَى:{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي } [يوسف: 25، 26].
     قَالَ الْإِمَامُ الطَّبَرِيُّ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي «تَفْسِيرِهِ»: يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَاسْتَبَقَ يُوسُفُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَامْرَأَةُ الْعَزِيزِ بَابَ الْبَيْتِ، أمَّا يُوسُفُ فَفِرَارَاً مِنْ رُكُوبِ الْفَاحِشَةِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَطَلَبُهَا يُوسُفَ لِتَقْضِيَ حَاجَتَهَا مِنْهُ الَّتِي رَاوَدْتُهُ عَلَيْهَا، فَأَدْرَكَتْهُ فَتَعَلَّقَتْ بِقَمِيصِهِ، فَجَذَبَتْهُ إِلَيْهَا مَانِعَةً لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَابِ، فَقَدَّتْهُ مِنْ دُبُرٍ، يَعْنِي: شَقَّتْهُ مِنْ خَلْفٍ لَا مِنْ قُدَّامٍ، لِأَنَّ يُوسُفَ كَانَ هُوَ الْهَارِبَ، وَكَانَتْ هِيَ الطَّالِبَةُ([16])، هُنَالِكَ:{ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }.
     قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَأَمَّا مَا يُنْقَلُ: مِنْ أَنَّهُ حَلَّ سَرَاوِيلَهُ، وَجَلَسَ مَجْلِسَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّهُ رَأَى صُورَةَ يَعْقُوبَ عَاضًّا عَلَى يَدِهِ، وَأَمْثَالِهِ ذَلِكَ، فَكُلُّهُ مِمَّا لَمْ يُخْبِرْ اللَّهُ بِهِ وَلَا رَسُولُهُ، وَمَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ مَأْخُوذٌ عَنْ الْيَهُودِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ كَذِبًا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ وَقَدْحًا فِيهِمْ، وَكُلُّ مَنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَعَنْهُمْ نَقَلَهُ، لَمْ يَنْقُلْ مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حَرْفًا وَاحِدًا([17]).
هذا والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل

كَتَبَهُ
أَبُو مَرْيَمَ أَيْمَنُ بْنُ دِيَابٍ بْنِ مَحْمُودٍ اَلْعَابِدِينِي
غَفَرَ اللَّـهُ لَهُ ،ولِوَالدَيْهِ ،ولِمَشَايخِهِ ،ولجَمِيْعِ المُسْلِمِيْنَ



[1]- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ برقم 5065، وَمُسْلِمٌ برقم 1400.
     وَمِنَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ: لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ:«وَمِنْهُمْ: شَيْخٌ زَانٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ ح(107) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
[2]- عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ:« إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ » فَقَالَ: رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ:« الْحَمْوُ الْمَوْتُ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ برقم 5232، وَمُسْلِمٌ برقم 2172،
     وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ:سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَخْطُبُ يَقُولُ:« لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ برقم 5233، وَمُسْلِمٌ برقم 1341،
     وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-:« إِلَّا كَانَ الشَّيْطَانُ ثَالِثَهُمَا » انظر صَحِيح الْجَامِع: 2546، الصَّحِيحَة: 430، ومما عمَّت به البلوى في زماننا أن أكثر حوادث الزنا تكون بين الأقرباء لسهولة دخول بعضهم على بعض، كابن العم وابن الخال والأخ يدخل بيت أخيه، بل وربما الصديق أيضا.
[3]- أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ برقم 1423، وَمُسْلِمٌ برقم 1031، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.
[4]- قَالَ: مَا الإِحْسَانُ؟ قَالَ:« أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ » مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: أَخْرَجَهُ: اَلْبُخَارِيُّ برقم 50، وَمُسْلِمٌ برقم 9، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.                            
لَيْسَ أَحَدٌ بَيْنَ بَيْنَ فَمَا بَالُكَ إِذَا الْتَقَيْنَ *** قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي مُطَّلِعٌ عَلَيْنَا

[5]- قَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيِّمِ-رَحِمَهُ اللَّهُ-، هَذَا الْكَلَامُ مُتَضَمِّنٌ لِوُجُوهٍ مِنْ الْمَكْرِ:
     الأَْوَّلُ: قولهن امرأة العزيز تراود فتاها، ولم يسموها باسمها، بل ذكروها بقبيح فعلها، بكونها ذات بعل، فصدور الفاحشة منها أقبح من صدورها ممن لا زوج لها.
      الثَّانِي: أن زوجها عزيز مصر ورئيسها وكبيرها، وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها.
     الثَّالِثُ: أن الذي تراوده مملوك لا حر، وذلك أبلغ في القبح.
     الرَّابِعُ: أنه فتاها الذي هو في بيتها، وتحت كنفها، فحكمه حكم أهل البيت، بخلاف من طلب ذلك من الأجنبي البعيد.
     الْخَامِسُ: أنها هي المراودة الطالبة.
     السَّادِسُ: أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ، حتى وصل إلى شغاف قلبها.
     السَّابِعُ: أنه أعف منها وأبر وأوفى، حيث كانت هي المراودة الطالبة، وهو الممتنع عفافًا وكرمًا وحياءً، وهذا غاية الذم لها.
     الثَّامِنُ: أَنَّهُنَّ أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل، الدالة على الإستمرار والوقوع حالًا واستقبالًا، وأن هذا شأنها.
     التَّاسِعُ: قَوْلِهِنَّ:{ إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }، أي: إنا لنستقبح منها ذلك غاية الإستقباح، فنسبن الإستقباح إليهن، ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى.
     الْعَاشِرُ: قَوْلِهِنَّ:{ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا }، فإنهن جمعن لها في هذا الكلام واللوم بين العشق المفرط والطلب المفرط، فلم تقتصد في حبها، ولا في طلبها، فلما سمعت بهذا المكر منهن، هيأت لهن مكرًا أبلغ منه، فهيأت لهن متكأ، ثم أرسلت إليهن فجمعتهن، وخبأت يوسف -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، عنهن، وقيل: إنها جملته وألبسته أحسن ما تقدر عليه، وأخرجته عليهن فجأة، فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله وأجملهم قد طلع عليهن بغتة، فراعهن ذلك المنظر البهي، وفي أيديهن مدى يقطعن بها ما يأكلنه، فدهشن حتى قطعن أيديهن، وهن لا يشعرن، وقد قيل: إنما تقطيعهن أيديهن جرحهًا وشقهًا بالمدى لدهشهن بما رأين، فقابلت مكرهن القولي، بهذا المكر الفعلي، وكانت هذه في النساء غاية في المكر. انْظُرْ: إغاثة اللهفان (2/ 115-117).ط. دار المعرفة – بيروت.
[6]- عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« حُرْمَةُ نِسَاءِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْقَاعِدِينَ يَخْلُفُ رَجُلًا مِنَ الْمُجَاهِدِينَ فِي أَهْلِهِ فَيَخُونُهُ فِيهِمْ، إِلَّا وُقِفَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: خُذْ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شِئْتَ، فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا ظَنُّكُمْ؟ تُرَوْنَ يَدَعُ لَهُ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيْئًا؟» رَوَاهُ مُسْلِمٌ برقم (1897).
[7]- عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:« مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ، مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ، وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ »، وَفِي رِوَايَةٍ:« اثْنَتَانِ يُعَجِّلُهُمَا اللهُ فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ » انظر الصَّحِيحَة: 918، صَحِيح الْجَامِع: 137.


[8]- انْظُرْ: "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى" (15/ 149) بتصرف.ط. دار الوفاء.

[9]- انْظُرْ: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 205 -217) ط: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت – لبنان.

[10]- انْظُرْ: "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى" (10/ 296 ،298) .ط. دار الوفاء.

[11]- قَالَ الْعَلاَّمَةُ محمد الأمين الشِّنقِيطيِّ-رَحِمَهُ اللَّهُ-:{لَوْلاَ} في القرآنِ إِذَنْ تَرِدُ على ثلاثةِ أقسامٍ، بثلاثةِ معانٍ معروفةٍ: الْأَوَّلُ: هي{لَوْلاَ}المعروفةُ عند العلماءِ بأنها حرفُ امتناعٍ لوجودٍ، والمعنى: أنها تَدُلُّ على امتناعِ شيءٍ لوجودِ شيءٍ. انْظُرْ: العذب النمير من مجالس الشنقيطي في التفسير (1/ 248).ط. دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، مكة المكرمة.


[12]- انْظُرْ: "التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج" (12/242) لوهبة الزحيلي بتصرف.ط. دار الفكر المعاصر – دمشق.

[13]- انْظُرْ: «الْبَحْرِ الْمُحِيطِ» (5/ 295)ط. دار الكتب العلمية. بِوَاسِطَةِ: أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (2/ 205 -217).

[14]- انْظُرْ: "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى"(7/ 527).ط. دار الوفاء.

[15]- انْظُرْ: "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى"(6/ 574).ط. دار الوفاء.

[16]- انْظُرْ: تفسير الطبري (16/ 50).ط. مؤسسة الرسالة.

[17]- قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي "مَجْمُوعِ الْفَتَاوَى" (10/ 296-298). ط. دار الوفاء.